طرح الجدل الواسع حول «السلّة» وما رافقها من حملات، أسئلة كثيرة عن شكل النظام السياسي، ودور رئيس الجمهورية، بعيداً من الكلام الدائم الذي يعتبر أنه «رمز وحدة الوطن وحامي الدستور».
لا يُنتخب رئيس الجمهورية من الفراغ، أو يكون شخصية غير معروفة، فالرئيس ينتمي الى فريق سياسي ولديه تحالفاته، ويسعى الى شدّ الكتل والنواب من حوله لكي يحقق أكبر نسبة إجماع.
هذا الأمر يتمّ عبر الترغيب بإعطاء مكاسب في الحكم والإدارة، فيما الإئتلافات ضرورية من أجل تأمين غالبية تضمن وصوله أو غالبية حاكمة في الأنظمة البرلمانية عند تأليف الحكومات خصوصاً في الدول التي تعتمد النظام البرلماني الديموقراطي مثل بريطانيا.
أما في الأنظمة البرلمانية، ولبنان واحد منها وإن كان نظامه صوَريّاً مغلّفاً بدكتاتورية الزعماء والطوائف، فتكون الصلاحيات في يد الحكومة فيما يشكّل رئيس الجمهورية «الأب الجامع»، على عكس الأنظمة الرئاسية مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية التي تستعدّ لإجراء إنتخاباتها الشهر المقبل، وعندها لا يستطيع رئيس الجمهورية إعطاء الضمانات أو توزيع الحصص المطلوبة لأنه أساساً لا يملكها.
في السابق، وقبل إقرار اتفاق «الطائف»، كان رئيس الجمهورية الحاكم الأول للبنان، يملك صلاحيات مطلقة، يستطيع حلّ مجلس النواب ساعة يشاء، يسمّي رئيس الحكومة بعد مشاورات نيابية شكلية ويشكل الحكومة بالاتفاق مع رئيسها، يعيّن القادة الأمنيين والإداريين اضافة الى رزمة كبيرة من الصلاحيات.
أمّا بعد «الطائف»، ومع ضعف الموارنة وإنكفاء المسيحيين، فقد سادت حقبة «إنتقام من المارونية السياسية» التي كان رمزها رئيس الجمهورية وقد جُرّد من القسم الأكبر من صلاحياته فيما لم يستعمل بقية الصلاحيات.
ولأنّ الرئاسات والمناصب في لبنان تتأثّر بقوّة كلّ طائفة وحجم تأثيرها، كان الوزير يمارس صلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس، من هنا لم يبقَ أمام الرئيس سوى إستخدام قوّة شخصيته أولاً، من ثمّ إستعمال الصلاحية التنفيذية الوحيدة وهي توقيع مرسوم تأليف الحكومة.
يرى أكثر من مرجع سياسي أنّه إذا كان الرئيس قوياً وحازماً، وبما أنّ الحكومة هي الحاكمة، يستطيع فرض الحصة التي يراها مناسبة داخل التركيبة الحكومية، ويمكنه أن يثبت على موقفه لأخذ مطالبه، وهو قادر على طرح معادلة أخذ نصف المقاعد الحكومية من كلّ الطوائف مثلاً، وترك النصف الآخر لرئيس الحكومة ليوزّعها على القوى السياسية، وعندها ترضخ هذه القوى للأمر الواقع، ويؤمّن الرئيس أكبر نسبة إلتفاف حوله، لأنّ السياسيين في لبنان يسيرون مع «الماشي»، وعندما يرون رئيساً قوياً وقادراً يقفون في صفه حكماً.
إذا كانت السلّة ضرورية أو أقلّه التفاهمات على الحصص، فإنّ ذلك يحصل في نظام رئاسي حيث يستطيع الرئيس الوفاء بالوعود التي قطعها ورسم خريطة طريق لعهده.
لكن اليوم وفي حال وعَد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الرئيس سعد الحريري بترؤسه كلّ حكومات العهد، كيف سيضمن له ذلك إذا أفرزت الإنتخاباتُ النيابية أكثرية من نوع آخر، وإذا وعَد «القوات اللبنانية» بمقاعد وزارية، فمن أين يعطيها إياها إذا لم يفرض وجوده ويطالب بحصة للرئيس بغض النظر عن حصة «التيار الوطني الحرّ»، وإذا قطع وعوداً للرئيس نبيه برّي في ملفات مثل النفط، فمَن يضمن أنّ ذلك سيتحقق خصوصاً إذا أُحيلت وزارة الطاقة الى وزير خصم لبري؟
من هنا، فإنّ طرح السلال وأخذ تعهّدات من الرئيس المقبل أشبه بـ»شيك» غير قابل للصرف، أو لا يخدم لفترة طويلة، لأنّ التوازنات السياسية هي التي تحكم لبنان والعهد الرئاسي، لكنّ اعتماد النظام الرئاسي لا يكتمل إلّا بانتخاب الرئيس من الشعب، وهذا الأمر غير ممكن حالياً بسبب غلبة الديموغرافية الإسلامية وتراجع أعداد المسيحيين، على رغم أنّ هذه الخطوة تنقذ لبنان من الفراغ أو الأزمة السياسية كلّ 6 سنوات.