Site icon IMLebanon

بحثاً عن وجوه البريستول… حتى “الفندق” أقفل أبوابه!

 

 

شباط 2005… 14 شباط 2022… فلنطرح من العمر عمراً، ولنغص في حال بلد وصل الى فوق فوق، الى القمة، وانزلق الى تحت تحت، الى ما دون جهنم. يا الله كمّ تبدل البلد في سبعة عشر عاماً. إستشهد الشيخ رفيق واعتزل الشيخ سعد ويموت اللبنانيون في اليوم القصير ألف مرة. وبين التاريخين لطم موج كثير وظلام دامس وظلم شديد وقلق هائل. تُرى ماذا عن حال «السياديين» الذين تحلقوا حول الطاولة في قريطم عشية يوم الإثنين في 14 شباط 2005؟

زلزلت الأرض. إهتزّت بيروت، وتطايرت الأشلاء في كل مكان واشتدت رائحة الموت. هو زلزال قلنا أنه سيكون أقوى ما نعيشه الى أن أتانا زلزال الرابع من آب وسبقهما زلزال الرابع عشر من أيلول… يا له من نفق أسود، ندخل إليه ما إن نعتقد أننا خرجنا منه. فهل نحن محكومون في العيش أبداً في خضمّ زلازل وبراكين؟ وهل ما زال «صنّاع» 14 آذار صامدون في الخط السيادي الذي أسس له 14 شباط وقبله لقاء قرنة شهوان وبيان المطارنة ولقاءات البريستول؟

 

فرنجيه وسعيد

 

سمير فرنجيه، الزغرتاوي، الأبي، الذي دافع عن البلد بحماسة شديدة، المعارض الشرس للوصاية السورية، المبادر الى إطلاق نداء قرنة شهوان، المؤمن دائماً بمشروع الحياة المشتركة في قلب المشروع الوطني، الحريص على بناء لبنان مستقلّ غني باختلافه، «فلّ». نجح الخبيث في القضاء عليه وهو الذي لطالما كان في عرين من واجهوا الخبثاء. السياديون، أو من تبقى من سياديين، خسروه. رفيقه فارس سعيد ما زال صوته يرنّ، ما زال يناضل بكل ما أوتي من قوة. أعداؤه كثر. النكات التي تحاك حوله (وعليه) ممن يسمون انفسهم «الممانعة»، تؤكد أن الرجل- الطبيب يقلق «الضفة الأخرى» وهو الذي أطلق المجلس الوطني لرفع إحتلال إيران، ليلعب اليوم ما لعبه لقاء البريستول في رفع إحتلال سوريا. يستمرّ سعيد ناشطاً لم يتخاذل، لم يتراجع، «يزقزق» كل صباح في سعيٍ يومي ليستيقظ النيام.

 

أين السبع؟

 

باسم السبع، هو سيادي آخر نادى سيادة حرية إستقلال وجلس في البريستول وفي قريطم ووقف في ساحة الشهداء. كان السبع جالساً الى يسار رفيق الحريري في المجلس النيابي في آخر صور إلتقطت للشهيد. هو تولى دور نائب رئيس تيار «المستقبل» لكنه قرر الإستقالة لاحقاً من منصبه. الرجل- الإعلامي الذي كان أحد أوائل من وضعوا وشاح تحالف 14 آذار الأحمر والأبيض حول العنق قيل أنه «زهد» بكل الأدوار السياسية وربما بالسياسة كلها. هو «المبتعد» الصامت وبئر أسرار. حتى هاتفه صمت. وهو العالم أن الشيخ رفيق تلقى رسالة من شخصية أمنية نافذة قبل إغتياله بأسبوع مفادها «أنه سيكون أمام ثلاثة خيارات: القبر أو السجن أو الرحيل». باسم السبع الشيعي قال قبل أسبوع واحد، أسبوع فقط، من إستشهاد رفيق الحريري، بنبرته العالية غالباً: «هناك مواجهة مفتوحة ومكشوفة من الصعب ان نتوقع نتائجها الكاملة». هذا ما حصل. والثابت أن السبع لم يخلع الوشاح الأحمر والأبيض طوعاً لكن «إنزلاقات» السياديين المتراكمة دفعته في هذا الإتجاه.

 

أمين الجميل كان في الصفوف الأولى أيضاً لكنه، على ما يبدو، أخذ قرار الإعتزال من دون الإعلان عن ذلك. بيار أمين الجميل، جبران تويني، وليد عيدو، أنطوان غانم، سمير قصير… قتلوا جميعاً، والقتلة مجهولون. وجوه كثيرة تبدلت قسراً أم طوعاً منذ 14 شباط 2005. وهناك وجوه «أخذ على خاطرها» أدارت ظهرها ومشت. 17 عاماً ليست أبداً قليلة. لكن، ما حصل أن الأمور ذهبت الى الأسوأ، الى الإنحدار الشديد، الى ما يشبه الموت مع التريث الى حين تعلن الجنازة.

 

غطاس خوري، الطبيب الجراح، المستشار الذي رافق مسيرة الشهيد الشيخ رفيق ثم مسيرة الشيخ سعد، وكان في مقدمة الجالسين في لقاء البريستول، ثم حول طاولة 14 شباط، ظلّ على الدوام، يروح ويجيء، موفداً ومتابعاً وناشطاً في الكواليس، وها هو اليوم بعد تعليق الشيخ سعد نشاطه السياسي، في استراحة المفاوض.

أستودعكم الله هذا البلد الحبيب». قالها الشهيد رفيق قبل أربعة أشهر على إغتياله في 14 شباط. وها قد مضى اليوم نحو عشرين يوماً على تكرار الشيخ سعد نفس العبارة وهو يعلن إعتزاله العمل السياسي: «أستودع الله هذا الوطن الحبيب». رحم الله الأول وأطال الله بعمر الثاني. لكن، هل الثورة التي أنتجها إغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وعشنا امجادها، إنتهت مفاعيلها من زمان وأصبح البلد بالفعل، لا بمجرد القول، في يد عفريت؟

 

الثابتة الوحيدة أننا كبرنا 17 عاماً منذ تلك اللحظة الى اليوم. وخلال كل تلك الأعوام إستمرّ هناك من يصرّ على بث الحماسة في الصدور التي تنادي بلبنان أولاً ودائماً. لكن، هناك كثيرون دارت عليهم عقارب الساعة وتبدلوا. هناك من خلعوا عن أعناقهم الوشاح الأبيض والأحمر وهناك من سبقوا الشيخ سعد الى التنحي. حتى البريستول، أوتيل البريستول الشهير، أغلق أبوابه نهائياً قبل عشرين شهراً. الأزمة في لبنان، أو لنقل الأزمات التي تثقل كاهله والمنكبيْن، أكثر من قدرة الكثيرين على الإحتمال. لكن، تلك الثورة التي أنتجها إغتيال 14 شباط هل كانت نافعة؟ هي دحرت السوري وبدل السوري أرخى الإيراني بثقله. فهل مصيرنا العيش دائماً وأبداً في محيط «متزلزل» ينقسم ناسه على أنفسهم بسهولة، في كل مرة، وكل بيت ينقسم على نفسه يخرب.

 

نضع صورة لقاء البريستول ثم صورة لقاء قريطم في مثل هذا اليوم منذ 17 عاماً ونقرأ في الأسماء: وليد جنبلاط، علاء الدين ترو، غازي العريضي، أكرم شهيب، فؤاد السعد، أنطوان غانم، عبد الله فرحات، إيلي عون، أيمن شقير، مصباح الأحدب، نبيل البستاني، جورج ديب نعمة، باسم السبع، بيار الجميل، هنري حلو، فارس سعيد، صلاح حنين، نعمة طعمة، محمد الحجار، نائلة معوض، مروان حماده، كارلوس إده، بهية الحريري، باسل فليحان، وليد عيدو، كميل زيادة، محمود طبو، حبيب صادق، شكيب قرطباوي، سمير فرنجيه، سمير عبد الملك، غبريال المر، أنطوان حداد، حكمت العيد، نديم عبد الصمد، الياس عطالله، كريم مروة، حارس شهاب، توفيق الهندي، إيلي كرامة… أسماء كثيرة تساقط كثيرون منها مع سقوط أوراق الروزنامات التي تتالت ولم يبق منها إلا النذر القليل.

 

كبُر الشباب، باستثناء طبعاً من إغتيلوا، 17 عاماً. أما الشيخ رفيق فاستمر في الستين. في المقابل كبُر الشيخ سعد 17 عاماً مضروبة بإثنين أو بثلاثة لكثرة ما انهكته التجارب والتحديات. نتذكر: في مثل هذا اليوم وصل الشيخ سعد على جناح السرعة الى قريطم ودخل بين الحشود. بدا مذهولاً. كان لم يستوعب بعد ما حصل. ناداه الشعب. ونادوا شقيقه بهاء. 17 عاماً مرت، وعاد اللبنانيون ليسموا بنفس الإسمين : بهاء أو سعد؟ سعد أو بهاء؟

 

الشقيقان

 

بهاء، رجل الأعمال، يميّز بين «الأخوّة» مع سعد، و»السياسة» مع سعد: «فلكل واحد أسلوبه وخياراته ورؤيته، مثلهما مثل رجل يقول: أريد بناء فندق فيأتي شقيقه ويقول: أنا اريد بناء شركة. فمن سيُخطئ ومن سيُصيب؟ النتائج تحسم. يصغرسعد شقيقه بهاء بأربعة أعوام لكن حساماً، الذي يصغر بهاء بستة أعوام، كان أقرب إلى الشقيق الأكبر، لكنه مات في حادث سيارة في الولايات المتحدة الأميركية «والموت الفجائي يبدل كثيراً النظرة الى الحياة». في كل حال، عودة بهاء لم تأتِ بالصدفة بل هناك من «إشتغل» عليها طوال أعوام قبل اليوم، أي قبل إعتزال سعد بكثير، وشكلت مشاريع التوظيف التي أطلقها تكملة «لمشاريع التعليم التي بدأها الشهيد» خطوة في هذا الإتجاه. وإنشاء «أ ب ث» بيروت- فردان أحد مشاريع التوظيف أيضاً. في كل حال، صورة العمة بهية في كل زاوية من بيوت بهاء. وابنته الكبرى تحمل اسم عمته، مثاله الأعلى. كما انه مقرب من نازك رفيق الحريري. فهل يكفي كل ذلك لتكريسه زعيماً بعد 17 عاماً على 14 شباط 2005؟

 

فؤاد السنيورة ظلّ اسمه حاضراً دائماً والرجل له «تكتيكه» الذي لا يُشبه أي تكتيك. وليد جنبلاط تنازل عن عباءته الى ولده تيمور لكنه يستمر في المفاصل «البيك» الفصل. محسن دلول، صديق رفيق العمر ووزير الدفاع في أوّل ثلاث حكومات له، إبتعد ثم إقترب ثم عاد وابتعد ووليد جنبلاط زاره قبل حين «لأن في الوحدة قوة». الفضل شلق إسم لطالما تردد الى جانب رفيق الحريري لكن «معارف» الأخير وصفوه «بالمثقف الكاره».

 

قبل 17 عاماً طُرح السؤال: ماذا عن لبنان بعد رفيق الحريري؟ مرّت الأعوام والسؤال اليوم: ماذا عن لبنان؟ فهل أدوات syria out ما زالت ملائمة في زمن Iran out؟