Site icon IMLebanon

بريطانيا خائفة من أوروبا… وخائفة عليها!

إذا كنت مقيماً في لندن هذه الأيام، من الآن إلى 23 الشهر المقبل، فسيكون صعباً عليك أن تتجاهل الانقسام الحاصل بين السياسيين البريطانيين وبين مختلف الفئات الاجتماعية بشأن بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي. ومع أن هذا الانقسام كان قائماً فعلياً في بريطانيا منذ دخولها عضوية «المفوضية الأوروبية» كما كان اسمها سنة 1973، عندما كان ادوارد هيث زعيم حزب المحافظين رئيساً للحكومة، فان حدة الخلاف ازدادت الآن مع موعد الاستفتاء المقبل الذي دعا إليه الزعيم الحالي لحزب المحافظين ورئيس الحكومة ديفيد كاميرون.

وعلى عكس ما هو شائع عن الانشقاق التقليدي بين المحافظين والعمال، فان الخلاف الحالي أبعد من ذلك وأكثر تعقيداً، اذ تجد فيه محافظين وعمالاً في جانب ومحافظين وعمالاً آخرين في جانب آخر. فمثلاً تجد زعيمي الحزبين، ديفيد كاميرون وجيرمي كوربين في صف الداعين إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي، فيما وجوه من الحزبين، أبرزها رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون (من المحافظين) وعدد من أعضاء حزب العمال، يؤيدون الخروج، الذي أصبح له شعار سياسي، على عادة البريطانيين، هو Brexit التي تختصر british exit.

على أي أساس تنقسم مواقف البريطانيين، وما هي العوامل التي ستحدد خيارهم في الاستفتاء المقبل، وهو الثاني الذي يصوتون فيه على بقائهم أو خروجهم من أوروبا، بعد الاستفتاء الذي دعا إليه هارولد ولسون سنة 1975 (أي بعد سنتين من دخولهم) وكانت نتيجته قراراً بالبقاء بأكثرية 66 في المئة؟

يمكن اختصار هذه العوامل باثنين: الاقتصاد والأمن. الوجوه الاقتصادية البارزة في بريطانيا وحول العالم تحذر البريطانيين من العواقب السلبية التي ستترتب على الخروج. من أبرز هؤلاء حاكم المصرف المركزي (بنك إنكلترا) مارك كارني الذي حذر من احتمالات الكساد الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة ونسبة التضخم وتراجع قيمة الجنيه الاسترليني، في حال تصويت البريطانيين على ترك الاتحاد، فيما قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أنها لم تجد أي شيء إيجابي بين الدوافع التي يقدمها المنادون بضرورة هذا الخروج. وفي الحالتين كان هناك اعتراض على هذا التدخل من جانب الأصوات الرافضة للبقاء في الاتحاد، فقد اعتبر هؤلاء موقف حاكم المصرف المركزي دعماً سياسياً لموقف رئيس الحكومة وخروجاً بالتالي عن الحياد المفترض من قبل المصرف، أما موقف لاغارد (الفرنسية) فقد اعتبروه تدخلاً في شأن بريطاني كان يجب أن تبقى بعيدة عنه.

غير أن أحد أبرز المواقف التي حذرت البريطانيين من عضوية الاتحاد الأوروبي فقد جاء من الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية (إم أي 6) ريتشارد ديرلوف في مداخلة أدلى بها في إطار النقاش الذي دعا إليه القسم العالمي في هيئة الإذاعة البريطانية لبحث موضوع الهجرة إلى أوروبا.

فقد رفع ديرلوف درجة الخوف من عضوية الاتحاد الأوروبي إلى حد التلويح بانهيار المشروع الأوروبي بكامله، ورأى أن ارتفاع معدلات الهجرة إلى أوروبا، التي قدر أن أعدادها ستصل إلى عدة ملايين خلال السنوات الخمس المقبلة، سيزيد من شعبية الأحزاب الداعية إلى الحفاظ على الخصوصية الوطنية، كما ظهر من خلال ارتفاع التأييد للأحزاب اليمينية، مثلما ظهر في النمسا مع حزب «الحرية» وفي فرنسا مع «الجبهة الوطنية»، وربما غداً في بلدان أخرى. باختصار يقول ديرلوف إن فتح المجال أمام دخول المواطنين الأتراك إلى أوروبا من دون تأشيرات، كما يقضي الاتفاق الأخير بين أنقرة والاتحاد، سيكون شبيهاً بوضع برميل من البنزين قرب النار، وسيؤدي إلى تغيير جذري في الخريطة الأوروبية، لأن كل دولة ستتصرف بشكل مستقل لحماية مصالحها الوطنية الخاصة. ويرى ديرلوف أن الهجرة الحالية إلى الدول الأوروبية أخطر بكثير من تلك التي شهدتها القارة بعد الحرب العالمية الثانية، لأن تلك كانت هجرة عالمية بطبيعتها، بينما الهجرة الحالية لها خصائصها الدينية والثقافية التي ستزيد إشكالات التعايش وما رافقه من فتح الحدود وإزالة الحواجز، وستؤدي بالتالي إلى أزمات ومشاكل، من الأفضل أن تبقى بريطانيا بعيدة عنها.