اذا ما غادرت بريطانيا الاتحاد الاوروبي دون اتفاق تجاري مع ٢٧ دولة، فإنها ستكون مُجبرة على اعتماد قواعد منظمة التجارة العالمية، سيما ان الاتفاقات التجارية بين اوروبا والعالم الآخر لن تعود متاحة امامها.
يقول مارك كارني، محافظ بنك انكلترا، ان الغموض وعدم الثقة في شأن النمو بعد الـ Brexit جعل الاقتصاد البريطاني في حال تراجع. ونتيجة لذلك، خفّض بنك انكلترا التوقعات في شأن النمو لهذا العام من ١،٩ بالمائة الى نحو ١،٧ بالمائة. ولا شك في ان عدم اليقين في شأن الخروج البريطاني وتبعاته على الاقتصاد أمر مهم في القرارت التي تتخذها العديد من المصارف والشركات.
حسب بعض التقديرات فإن صناعات التمويل وحدها قد تفتقد ما يصل الى ٩ مليار دولار من الايرادات في ما يسمى الـ Brexit والذي قد يحدّ من امكانية وصولها الى السوق الموحدة للاتحاد الاوروبي. كذلك وحسب التقديرات دائمًا فإن بريطانيا سوف تخسر ما يقارب ٤٠ الف فرصة عمل في مصارف الاستثمار جراء هكذا عملية. واذا ما سمينا بعضهم فإن سيتي غروب و UBS وباركليز هي من جملة المصارف الني ستحاول نقل موظفيها الى الاتحاد الاوروبي والشركات التابعة لها.
والصناعة المصرفية بالجملة والتي تشمل البنوك التجارية والاستثمارية توظف حوالي ٨٠ ألف فرصة عمل حسب تقديرات اوليفر ويمن، وسوف تخسر حسبما سبق وذكرنا حوالي ٤٠ ألف وظيفة في الاجل المتوسط الامر الذي سيضرب ليس فقط الصناعة المصرفية انما الاقتصاد البريطاني ككل، سيما وان صناعة الخدمات المالية تعتبر احد اكبر المساهمين في الناتج المحلي الاجمالي للمملكة، اي ما يشكل ٢٢ بالمائة من اجمالي الناتج المحلي للندن وحدها.
ظهر التفاوت في رؤيا الحكومة البريطانية لعواقب الـ Brexit سيما وان تيريزا ماي دعت الى «خروج مطلق» وانهاء حرية تنقل الاشخاص بينما وزير المالية فيليب هاموندا اقترح فترة انتقالية تصل الى ثلاث سنوات لمساعدة الشركات على التنقل في اطار جديد الى حين تغادر بريطانيا الاتحاد.
لكن يبدو ان التقارير التي وردت اكدت ان صناعة الخدمات المالية لن تكون قادرة على الانتظار حتى ذلك الحين لكسب الوضوح. وعلى المدى المتوسط، من المرجّح ان تزداد الضغوط على المصارف والتي قد تؤدي فعليًا الى زيادة وجودها داخل الاتحاد الاوروبي.
لذلك تعتبر الفترة الانتقالية عملية غير مؤكدة سيما وان الجدول الزمني المتفق عليه للمفاوضات سيبدأ ويشمل جملة امور اهمها قد يكون حالة المغتربين، لذلك قد يكون الاعتماد على هكذا تخطيط غير اكيد.
يأتي هذا التقرير في وقت اقر فيه «الدويتش بنك» تثبيت مركزه في لندن لخمسة وعشرين سنة مقبلة، الامر الذي يعتبر بمثابة تصويت بالثقة لمدينة لندن بيد ان البنك قد اشار الى انه سوف ينقل الاف الوظائف الى فرانكفورت في اطار تحويل تداوله للاوراق المالية.
اضف الى هذه المشاكل امور مالية كبيرة تجعل الـ Brexit السلس غير قابل للحياة وقد يكون اهمها رفع الاتحاد الاوروبي مطالبته لبريطانيا بدفع مبالغ مالية وصلت الى حدود الـ ١٠٠ مليار دولار طبقًا لما ذكرته «فاينانشال تايمز» كذلك ما دفعت به باريس ووارسو الى ادراج مدفوعات المزارعين ضمن عملية الخروج من الاتحاد ومعارضة برلين لمنح بريطانيا حصة في الأصول الاوروبية.
لذلك تتفاوت التقديرات حول القيمة النهائية للمبلغ الذي سوف تدفعه بريطانيا قبل خروجها لأنها تشمل افتراضات بشأن موعد خروجها ونصيبها من الايصالات وما يتوجب عليها من مدفوعات.
تمثّل فاتورة الانسحاب احد اكبر العقوبات في الخروج من الاتحاد على نحو سلس لا سيما وان تيريزا ماي رفضت هكذا فاتورة في حفل عشاء مع جان كلود جونكر وقالت ان اي فاتورة مالية سترتبط حتمًا بتأمين اتفاق تجاري في حلول العام ٢٠١٩ ووعدت بان تكون bloody difficult woman في هذه المحادثات.
وسيكون القطاع التجاري الاكثر تأثرا بهكذا خروج لا سيما وانها كعضو في الاتحاد الاوروبي، تستطيع الشركات البريطانية وبحرية نقل بضائعها واستيرادها دون دفع اي ضرائب وتتمتّع ايضًا باتفاقيات التجارة الحرة مع دول مثل النرويج وسويسرا وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية. اما خارج الاتحاد فالمملكة المتحدة ستحتاج الى صفقات جديدة من اجل التجارة الحرة مع البلدان او ما يتبقى من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي.
اما من الناحية العملية فان المملكة المتحدة قد تسعى الى التفاوض نحو شكل جديد من اشكال التجارة الحرة، وهنا تبقى المفاضلة مفتوحة بين «الآفاق والسرعة»، افاق هذه التجارة، وسرعة تطبيقها.
لذلك واذا ما كانت بريطانيا تريد اتفاقا واسعا يغطي ايضًا الخدمات المالية فان الامر وعلى الاكيد يتطلب بعض الوقت سيما وان تجارب سابقة مع صفقات اخرى استغرقت ما بين ٤ و ١٠ سنوات وتعتمد اكثر على السياسة منها على الاقتصاد.
يقول دميان شالمر، استاذ قانون الاتحاد الاوروبي في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية (LSE)، ان التهديد الاكبر هو للصادرات البريطانية.
ولن تكون هذه التهديدات مع تعرفات منظمة التجارة العالمية انما مع الدول الاخرى في الاتحاد الاوروبي والتي قد تسعى الى فرض قواعد جديدة وغيرها من الحواجز غير التعريفية لابقاء الخدمات والسلع البريطانية خارج نطاق المنافسة. وحسب بروفسور شالمر، فان عقد صفقات تجارية مع الاقتصادات الرئيسية مثل الولايات المتحدة والصين والهند سيكون قاسيا بالنسبة الى بريطانيا.
والجدير بالذكر ان اوروبا فشلت لغاية الآن في الحصول على اتفاقيات للتجارة الحرة، وقد يكون من الافضل للمملكة المتحدة التفاوض على حدة مع السياسيين في واشنطن وبكين ونيودلهي.
لذلك، وفي غضون ثلاثة عشر شهرا منذ الاستفتاء، لا بد للتعقيدات في انهاء ٤٤ عاما من نظم الاتحاد السياسية والاقتصادية والتي اصبحت واضحة، وحجم المهمة اصبح اصعب. اذا كانت بريطانيا تحاول ابقاء علاقات واتفاقية مثلى مع الاتحاد الاوروبي ستكون المحادثات حتمًا على النمو الذي اقترحه الاتحاد واعترفت بريطانيا بأنها ستدفع فاتورة كبيرة للخروج، على نقيض ما اقترحه وزير خارجيتها منذ اسبوع .
في النتيجة، قد يكون من الامور البالغة الاهمية مواجهة حقيقة ألم المقايضات التي تنطوي عليها الـ brexit، وكلما واصلت بريطانيا وضع رأسها في الرمال وانكار الواقع كلما اصبح من المرجح ان تنتهي المفاوضات دون التوصل الى اي اتفاق مما يعني حتمًا ازمة اقتصادية ومالية جديدة.