الشابة التي درست الجغرافيا في أوكسفورد هي السيدة المختارة لمهمة تاريخية في بريطانيا. تريزا برازييه ابنة القس الانغليكاني زاملت في الجامعة وصادقت بنازير بوتو ابنة الزعيم الباكستاني علي بوتو والتي قدمتها الى من صار زوجها: فيليب ماي. وحين تدخل اليوم الى ١٠ داونينغ ستريت بعدما اختارها زملاؤها زعيمة لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء، فان التاريخ يتدخل من جديد في استعادة لتجربة المرأة الحديد مارغريت تاتشر أول رئيسة للوزراء في بريطانيا. ولن يتأخر حديث الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية في المنازلة الصعبة على أرض الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي بين تريزا ماي والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل وهي أيضاً ابنة قس جاءت من ألمانيا الشرقية لتصبح بعد توحيد ألمانيا أقوى امرأة في أوروبا.
لكن ظروف تريزا ماي في رئاسة الحكومة تختلف عن الظروف التي جاءت بها تاتشر الى رئاسة الحكومة. كان على تاتشر ان تكون أوروبية، ولو ان في حزب المحافظين من يؤمن بأن العدو هو القارة. ولم تتأخر في كسر ارادة الاتحادات العمالية ودفع البلاد الى أقصى اليمين بالتضامن مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان. أما ماي الآتية من الادارة القوية لوزارة الداخلية على مدى ست سنوات والتي صوتت في الاستفتاء مع البقاء، فان عليها ان تكون بريطانية قادرة على توحيد الحزب الذي انقسم في الاستفتاء وتوحيد البلد حول معادلتين: الأولى هي ان الخروج يعني الخروج ولا مجال للبحث في العودة الى الاتحاد الأوروبي. والثانية هي الحاجة الى الاحتفاظ بمدخل الى السوق الأوروبية، مع التفاوض على الحريات الأربع: حرية حركة البضائع والخدمات والرأسمال والناس.
فضلاً عن ان تريزا ماي تدرك صعوبة تجاهل مشكلة اللامساواة التي تفاقمت كثيراً وطرحت حتى على أركان النيوليبرالية ضرورة تصحيح الخلل للحفاظ على النظام الرأسمالي. فهي تتحدث في برنامجها عن دولة تعمل من أجل الجميع، لا فقط من أجل قلّة تتمتع بامتيازات. وهي ترى ان الاستفتاء على الخروج يعني أيضاً الحاجة الى تغيير جدّي في الداخل. واذا كانت ميركل تنتقد البيروقراطية في بروكسيل، فان وزير المال في حكومتها شويبليه يرى ان الوقت ليس ملائماً للرؤى الكبيرة.
تريزا ماي وميركل في أقوى بلدين أوروبيين، واذا وصلت هيلاري كلينتون الى البيت الأبيض مع وجود امرأة على رأس بنك الاحتياط الفيديرالي وأخرى على رأس صندوق النقد الدولي، فان حكم النساء يدخل مرحلة لا سابق لها.
لكن حسابات الحكم واحدة سواء كان على القمة رجال أو نساء.