تعترف مراجع أمنيّة وعسكرية أنّ العمليات العسكرية التي خاضَتها مجموعات من «النصرة» وأخرى معارضة على تخوم بريتال وعسال الورد وفليطا شكلت مفاجأة غير محسوبة. وقالت: «انتظرناهم من الشمال فجاؤونا من الجنوب». لكن ما كان تقليدياً أنّ المجموعات نفَّذت في «بريتال 1» عملية «عرسال 2» نفسها «بلا رتوش». فما الذي حصل؟ وما هي الأسباب؟
كانت كلّ التقارير الأمنية التي استعرَضتها المراجع الأمنية والعسكرية الشرعية منها وغير الشرعية، في الأيام القليلة الماضية، تتحدث عن «عرسال 2».
وهو ما أكّده قائد الجيش العماد جان قهوجي قبل أيام قليلة عندما توقّع عملية جديدة على محاور عرسال، الأمر الذي قاد الى نوعٍ من الإسترخاء على الجبهات الأخرى في ثاني ايام «الأضحى المبارك»، فكانت المفاجأة بهجوم صاعق نفَّذته مجموعات مسلحة على مراكز «حزب الله» المتقدمة في جرود نحلة وبريتال على تخوم بلدات فليطا وعسال الورد والمزارع المجاورة لها، ما أدّى الى تكرار عملية عرسال الأولى في شكلها وتوقيتها ووقائعها.
ففي الشكل هاجمت المجموعات الإرهابية المسلحة بعديدها الكثيف وتحت وطأة نيران كثيفة من مختلف انواع الأسلحة الرشاشة والصاروخية، مراكزَ متقدمة لـ»حزب الله» في تلال بريتال ونحلة المتقدمة في اتجاه الأراضي السورية المؤدية الى قرى فليطا وعسال الورد الواقعة ضمن الأراضي السورية ما أدّى الى إشتباكات عنيفة امتدت ساعات محدودة، سبقت دق النفير وجمع «حزب الله» قواه المنتشرة في ثكناته ومراكز التدريب في المنطقة داخل الأراضي اللبنانية للتدخل واستعادة السيطرة عليها، تحت غطاء مدفعي وصاروخي عنيف، بحيث استخدم الحزب الى جانب مدفعية الهاون والميدان، راجمات صاروخية اطلقت صيلات من 40 صاروخاً كل خمس دقائق تقريباً، ما أوحى أنّ ابواب جهنم قد فتحت في المنطقة.
وما شهده موقع «حزب الله» المتقدم والمكلف بالإنذار المبكر الكائن في «تلة الساعة» والذي احتلته المجموعات المسلحة في بداية العملية بعد مقتل معظم عناصره وانسحاب الباقين منه، شكّل التجربة الثانية طبق الأصل في أقلّ من شهرين لما شهده موقع «وادي الحصن» المتقدم التابع للجيش على أطراف عرسال، والذي سقط في أيدي الإرهابيين في اولى ساعات الهجوم، فوقع جنوده بين شهداء واسرى قبل أن يتمكن عدد قليل منهم من الإنسحاب، وذلك في انتظار وصول وحدات الدعم من أفواج المجوقل والمغاوير التي نفّذت عمليات اقتحام مباشرة وإنزال سريعة خلف خطوطهم.
وفي التوقيت والوقائع، اعتمد المسلحون على عنصر المفاجأة سعياً وراء كسبٍ معنوي وعسكري في محاولة لتركيز موقع قدم ثابت يستعجله المسلحون لتحصين مواقعهم الواقعة بين فكّي كماشة الجيش السوري و«حزب الله» لجهة بريتال والأراضي السورية من جهة، والجيش اللبناني في عرسال ومحيطها من جهة أخرى، استباقاً لما يمكن أن تشهده المنطقة مع اقتراب فصل الشتاء حيث ستكون هذه المواقع محاصَرة بالثلوج.
وهو ما سيعزّز الحصار المضروب جراء التدابير التي نفّذها الجيش سعياً وراء الفصل النهائي بين عرسال وجرودها، الأمر الذي لم يحصل بعد بشكل شامل، بدليل أنّ المسلحين تمكنوا من نقل قتلاهم الى إحدى مستشفيات عرسال.
وعليه، قرأت المراجع المعنية في هذه العملية إشارة الى استعجال منفذيها فرض امر واقع جديد لم يحقّقوه، قبل أن تُغيّر الوقائع المناخية ظروف المعركة في المنطقة، وهو أمر ليس في مصلحتهم على المدى القريب بحيث لن يكون امامهم سوى وقت قصير للتفكير في وسيلة ما تبعد عنهم شبح الحصار المدبر، وذلك بتسريع الإفراج عن العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» بأقلّ الأثمان الممكنة والتخفيف من الأثقال الملقاة على عاتقهم في مرحلة هي الأدق.
وهو ما سيؤدّي الى بروز مزيد من اوراق القوة في يد الجانب اللبناني في مقابل افتقاد المسلحين لأكثريتها، ما يقربهم من انتحار جماعي قد يقدمون عليه في لحظة ما، إذا لم تتوافر لهم معابر سالكة الى مناطق أخرى اكثر وسعاً وأمناً.