احتمال تكرار العملية “وارد في أية لحظة”
مواجهات بريتال.. “بروفه” البحث عن “ممر آمن”
وحده سمير جعجع و”أمانته العامة” لم يهضما تصدّي “حزب الله” لمجموعات إرهابية حاولت الاستيلاء على مواقعه في منطقة جرود بريتال. أما بقية “الرفاق” فاكتفوا بمراقبة المشهد من دون أي تعليق بحجة إجازة العيد.
راح “الحكيم” في معارضته إلى حدّ اتهام الحكومة، من دون أن يعفي حلفاءه من المسؤولية، بالتهرب من طرح موضوع انسحاب “حزب الله” من سوريا. لا يعنيه من المعطى الأمني المستجد إلا “الحجة الأم” وهي مشاركة “حزب الله” في القتال في سوريا. باعتقاده أن الكل صار متواطئاً في هذه “التهريبة”.
بنظر “المستقبليين”، فإنّ صيغة الإجماع في توقيع قرارات الحكومة بغياب رئيس الجمهورية، هي التي تقيّد يديها وتجعلها أسيرة توافق من دونه تفقد أوكسيجين بقائها. ولكن برغم ذلك، لن “ينقلبوا” على ثوابتهم: فلتقفل الحدود الشرقية والشمالية ولينتشر الجيش وقوات “اليونيفيل” للحفاظ على الأمن والسيادة.
لكن روما من فوق غير روما من تحت. ميدانياً، بإمكان المطلع على بعض دقائق “المواجهات” التي شهدتها جرود بريتال يوم الأحد الماضي، وعلى أكثر من محور، بين “حزب الله” ومجموعات تكفيرية مسلحة حاولت على أكثر من مرحلة الاستيلاء على مواقع للحزب في هذه المنطقة، في إطار سيناريو سياسي أمني أكبر، أن يجزم بالوقائع العسكرية، أنّ ما حصل كان عملاً منظّماً ومخططاً له من مدّة وبأهداف واضحة ومحددة، “وليس مستبعداً أن يتكرر في الأسابيع المقبلة إذا شعر المسلحون بالضغط نتيجة إحكام الجيش الحصار عليهم في منطقة جرد عرسال وامتداده في القلمون السوري.
إذ لا يمكن لمئات من المسلحين المدججين بالأسلحة، والمحميّين بغطاء مدفعي أن يهاجموا مواقع يعرفون مسبقاً أنّ “حزب الله” يرفع رايته فوقها، وربما ينصب كاميراته في الممرات المؤدية اليها، أن يقوموا بما قاموا به لو لم تكن هناك خطة محكمة وضعت لهم ليعملوا على تنفيذها.
يصبح من السهل فك أحجية هذه الخطة، متى استحضر المشهد العرسالي ـ القلموني. في الجزء اللبناني من الحدود، الجيش يحكم طوقه حول البلدة البقاعية ويضيّق الخناق على المقاتلين القابعين في جردها، حيث تحاصر خطوط الإمداد وباتت مهدّدة بالإقفال نهائياً إذا ما قرر الجيش التصعيد في إجراءاته الوقائية.
في حين أنّ الوضع ليس أفضل حالاً في منطقة القلمون السورية التي لم يعد بمقدورها أن تكون “ظهيرة حماية” أو حديقة المقاتلين الخلفية، حيث أيضاً تقطّعت شرايين الإمدادات نتيجة الضغط العسكري من جانب الجيش السوري ومجموعات “حزب الله”. ولهذا لا بدّ من سيناريو ثالث يؤمن لهؤلاء مأوى دافئاً في فصل الشتاء الذي صار على الأبواب.
عملياً، هي الحيثيات الميدانية التي دفعت بمجموعات المسلحين إلى شنّ أكثر من هجوم على طول خطّ جغرافي طويل يربط بين البقاعين الأوسط والشمالي، وتحديداً من جرود النبي سباط في مرتفعات السلسلة الشرقية الحدودية، وصولاً إلى جرود منطقة القاع. كان تقديرهم أنّ باستطاعتهم مباغتة عناصر “حزب الله” يوم عيد الأضحى، لتحقيق اختراق أمني، على شاكلة ما كانوا يشتهون أن يفعلوا في “ليلة القدر” في رمضان الفائت أو مثلما يمكن أن يكون السيناريو في أي لحظة يعتقدون أنها مؤاتية.
في حسابات هؤلاء أنّ المطلوب تسجيل خرق عسكري في صفوف “حزب الله” بهدف تأمين ممر آمن يصل بهم إلى الداخل السوري من جديد، سواء إلى منطقة عسال الورد أو الزبداني أو حتى إلى الطفيل، كي يُصار في ما بعد إلى سحب المقاتلين في جرود عرسال والعودة بهم إلى منطقة سورية آمنة يمكن لهم تمضية فصل الشتاء في ربوعها.
ومن الواضح أنّ “حزب الله” يضع في حسبانه هذا الاحتمال، لا سيما أنّها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لهجوم من هذا النوع، حيث شهدت منطقة عسال الورد وقبل أسبوعين محاولة عسكرية من جانب المسلحين انتهت بهم إلى العودة أدراجهم.
وعلى هذا الأساس، يرجح أحد المتابعين تكرار مشهد “البروفه” التي مُنيت بالفشل، “في أية لحظة في الأسابيع المقبلة”، حيث من المتوقع أن يشهد المربع الحدودي جولات جديدة من الاشتباكات، لأنّها الخيار الوحيد المتبقي أمام المقاتلين “المحاصَرين” في جرود عرسال للهروب من “الجنرال الأبيض” قبيل وصوله.
وفيما ينفي مواكبون أن يكون هناك أي ارتباط سياسي بين هجمات المسلحين وبين المفاوضات الخفية التي تجري مع المجموعات التي تحتجز العسكريين اللبنانيين، بوساطة قطرية، “لأنّهما مساران منفصلان تماماً”، يقول وزير في الحكومة إنه منذ أن أعطى اللواء عباس ابراهيم جواباً سلبياً على مطلب المسلحين القاضي بفتح معبر آمن بين عرسال وجرودها، بدأ العد العكسي للعملية الأخيرة، بعدما صارت قضية “المعبر” قضية حياة وموت للمجموعات المسلحة.