لم يكن أحد يعتقد أنّ الجبهة الثانية التي سيجري فتحها عند الحدود اللبنانية ستكون في بريتال بهدف إقحام «حزب الله» الذي يرفض الإنسحاب من المعارك في سوريا، في مواجهة جديدة. غير أنّ مصدر سياسي في 8 آذار يعزو ما حصل في جرود بريتال من مواجهة بين «حزب الله» والمقاتلين الذين قاموا بالهجوم الى ردّ فعل «إنتقامي» من قبل التنظيمات المتطرّفة، على ما صرّح به الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
ويبدو أنّه بدلاً من أن ينزل المسلّحون الى بيروت للمواجهة يضيف المصدر، كما سبق وهدّدوا خلال التظاهرة الشهيرة التي سارت في عرسال، «استقربوا» الطريق، فقرّروا فتح جبهة بريتال، بعد أن أحكم الجيش بالتضييق على عناصر تنظيمي «داعش»، و«جبهة النصرة» في البلدة البقاعية لناحية سدّ منافذ التموين الغذائي والإستشفائي على التكفيريين المتحصّنين في جرود البلدة، وقال: صحيح أنّ عناصر الحزب تمكّنوا من صدّ هجوم مسلّحي «داعش» و«النصرة» الذين جاؤوا من محاور عدّة من جرود عرسال على مواقع الحزب في جرود بريتال، وأنّ المقاتلين فرّوا من حيث أتوا، غير أنّ هذا الأمر لا يعني أنّ المواجهة انتهت هنا، بل سيكون هناك محاولات أخرى، على ما يقول المصدر نفسه، وعلى الجيش وعناصر الحزب اتخاذ التدابير اللازمة لسدّ الطرقات التي سلكها المتطرّفون مروراً بعسال الورد.
وأكّد بأنّ هؤلاء يهدفون الى السيطرة على تلّة عين الساعة هناك من أجل احتلال بعض مواقع الحزب في قضاء بعلبك ليتمكّنوا من خلال ذلك، من تهديد أهالي البلدة الذين بغالبيتهم من الطائفة الشيعية، ومن ثمّ الإنتقال الى مناطق أخرى، وإجبار الحكومة اللبنانية بالتالي على الرضوخ لمطالبهم وأبرزها إطلاق سراح الموقوفين من فتح الإسلام من سجن روميه، مقابل تسليمها العسكريين المخطوفين في عرسال. غير أنّ ما يُخطط له المسلّحون لم ينجح، والدليل المحاولة الأولى التي أعادتهم على أعقابهم.
وبرأي المصدر، إنّ المسلّحين الذين لا يزالون يستقرّون في جرود عرسال أرادوا شنّ مواجهة مع «حزب الله» في بريتال، بعد الخسائر التي مُنيت به التنظيمات التكفيرية في القلمون، من أجل إرباك الحزب من خلال تشتيت قوّته. علماً أنّ الضربات الجوية التي تُشنّ ضدها في العراق وسوريا يجب أن تخيفها ويجعلها تحصر معاركها بدلاً من توسيع البقع الجغرافية للمواجهات.
وبالنسبة للعسكريين المخطوفين، يقول بأنّ التنظيمات التكفيرية حاولت استدراج «حزب الله» الى مواجهة معها، من خلال اتهامه بعرقلة عملية التفاوض غير المباشر مع الحكومة لإطلاق الجنود. ولكن مع نفي نصرالله هذا الأمر، لم يعد أمامها سوى أن تقحمه في مواجهة عسكرية، إلاّ أنّها أظهرت فشلها، ولهذا ستحاول من جديد متى سنحت لها الفرصة.
في المقابل، تسعى التنظيمات من خلال فتح مواجهات جديدة الى التمدّد بحسب المصدر، خصوصاً مع القصف الذي تتعرّض له مواقعها، ما يضطر قادتها وعناصرها الى الفرار من منطقة الى أخرى، وقد يلجأ عدد كبير منهم الى المناطق الحدودية في لبنان أو تركيا، في حال سدّت المنافذ أمامهم، علماً أنّهم في تركيا مرحّب بهم، بينما في لبنان ليس من مناطق تريد احتضانهم وإيواءهم، بل على العكس، لا يلبث الجيش يتخذ الإجراءات كافة من أجل إخراجهم من البلاد.
ولا ينفي المصدر نفسه أنّ دائرة الخطر على لبنان تزداد شيئاً فشيئاً، فأهالي العسكريين المخطوفين يُنفّذون مطالب الخاطفين من قطع الطرقات، ومنع التعرّض للنازحين السوريين (علماً أنّ أحداً لا يتعرّض لأي منهم إذا ما كان مواطناً مسالماً)، لإبعاد شبح القتل عن أبنائهم، بحسب ما يعدهم المسلّحون، غير أنّ لا شيء مضمون حتى الساعة، ولا أحد يعلم نوايا هؤلاء وما يُخططون له في الجرود. ففتح المواجهة في بريتال، أمر لم يكن في الحسبان، وقد تجرّأوا على القيام به رغم التحالف الدولي ضدّهم، والضربات الجويّة التي تُشنّ على موارد تمويلهم.
وينصح بضرورة التعاون والتكاتف مع الجيش اللبناني لدرء أي مخاطر على المزيد من المناطق اللبنانية، فما حصل في عرسال كان نتيجة «احتضان» بعض أبناء البلدة للمسلّحين رغم كلّ ما أتوا به من ويلات على البلدة وسكّانها والنازحين السوريين فيها. فلا أحد يريد عرسال أخرى في لبنان، ولا مخطوفين لبنانيين آخرين، بل إنّ الجميع، يضيف المصدر، يريدون أن يعيشوا بسلام وأمان، وإبعاد الفتنة والتوتّر الأمني عن بلداتهم.
وقال المصدر: «عبثاً يُحاول المتطرّفون خلق الفتنة بين السنّة والشيعة في لبنان، فطرابلس ثانية لن تجد مكاناً لها في المناطق اللبنانية. كما أنّ المواجهات التي حصلت في عرسال، لن تتكرّر في مناطق أخرى، إلاّ للقضاء وبشكل نهائي على الإرهابيين الذين يحاولون بالوسائل كافة جرّ لبنان الى صراعهم في المنطقة».
وختم بالقول إنّ المسلّحين يحتفظون بورقة العسكريين المختطفين في أيديهم، كورقة رابحة لبقائهم في جرود عرسال، لأنّهم يعلمون أنّه متى قاموا بتسليمهم للحكومة، فإنّ الأجهزة الأمنية لن تتركهم وشأنهم، ولهذا فهم سيُبقون عليها الى حين تغيير مخططاتهم أو نجاحهم في مهمة ثانية، والأمر مستبعد في المرحلة الراهنة.