يعتبر هذا اليوم في ٢٣ حزيران ٢٠١٦ تاريخياً بالنسبة الى بريطانيا. وسبق للمحللين والمراقبين الاقتصاديين كما صندوق النقد الدولي أن أعطوا مواقف واضحة في هذا المجال، وجاءت تعليقاتهم ودراساتهم لتبرهن المخاطر التي تواجه الاقتصاد البريطاني في حال جاء الاقتراع مؤيدا للانفصال عن الاتحاد الاوروبي.
يدرك البريطانيون المخاطر المحدقة باقتصادهم الوطني، في حال اختارو الخروج من الاتحاد الاوروبي. وقد جاءت توقعات صندوق الدولي للاقتصاد البريطاني للاعوام المقبلة متشائمة في حال تم التصويت لمصلحة «الطلاق».
هناك تناقض واضح في مقاربة هذا الموضوع. كثيرون يبدون التفاؤل بالـ brexit وكثيون أيضا هم التشاؤمون حيال هذا المصير. وفي فترة عدم اليقين التي مرت بها الامور يبقى القول ان تصويت البريطانيين سيدحض كل الاستفسارات والاسئلة عن هذا الموضوع.
وللوضعية سيناريو واحد هو ان تقارير صندوق النقد الدولي اثارت ردود فعل غاضبة لدى الداعين الى الـ Brexit والذين قالوا انه على الصندوق ألا يتدخل في العملية الديمقراطية في المملكة المتحدة.
ويعتبر هؤلاء أن الصندوق يتجاهل الفوائد الايجابية لترك الاتحاد الاوروبي، كما يتجاهل الصندوق الفرص التي ستتيح لبريطانيا الاستفادة منها في حال الـ Brexit : خلق ٣٠٠ الف فرصة عمل من خلال اتفاقات تجارية مع الاقتصادات السريعة النمو والتوقف عن ارسال ٣٥٠ مليون جنيه استرليني تدفع لبروكسل كل اسبوع.
في سيناريوهات صندوق النقد الدولي هناك احتمالان لا ثالث لهما- اذ انه في ظل الـ Brexit يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة ٥،٥ بالمائة في حلول العام ٢٠١٩ اما في سيناريو اكثر تفاؤلاً واذا ما بقيت المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الاوروبي فإن النمو سوف ينتعش في اواخر العام ٢٠١٦ اذ حينها تكون آثار الاستفتاء قد خفّت.
لكن، ودائما حسب الصندوق، ستكون الاثار الاقتصادية الصافية لمغادرة الاتحاد الاوروبي سلبية وكثيرة وقد تستهدف ايضا اقتصادات الاتحاد الاوروبي المجاورة. وقد تكون ايرلندا ومالطا وقبرص ولوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا الاكثر تأثرًا.
جاء تقرير البنك الدولي ليؤكد نظرية بنك انكلترا والذي يعتقد ان الـ Brexit سوف يدفع بالجنيه الاسترليني الى التراجع ويرسل اشارات سيئة للاقتصاد العالمي.
وفي علامة اخرى على قلق العواصم حيال نتائج هذا التصويت جاء كلام وزير فنلندا المنتهية ولايته الكسندر Stubb الذي قال انه يخشى ان يكون هذا التصويت هو كلحظة ليمان برازرز لاوروبا. والكل يعلم علم اليقين ما فعله افلاس Lehman Brothers بالاقتصاد العالمي، والافلاسات المتتالية التي جاءت بنتيجته. وكأن الاقتصاد العالمي انتظر هكذا افلاس ليظهر وللعلن مدى هشاشته.
اقتصادياً، تبدو الامور واضحة. اذا كان دعاة الـ Brexit يشدّدون على اهمية الخروج ومنافعه الا انه وجب التحذير هنا ان أي تراجع في نسبة الناتج المحلي اكثر من ١ بالمائة ستكون كافية للقضاء على المكاسب من انخفاضات المساهمات في ميزانية الاتحاد. وقد تفوقها الخسائر المتأتية من التجارة والوصول المحدود الى اسواق قد لا تكون اكبر من السوق الاوروبية المشتركة.
لذلك نرى أن البريطانيين مستاؤون عموما من بيانات الصندوق، انما جيري رايس المتحدث باسم الصندوق قال انه ومن ضمن عمل صندوق النقد الدولي يأتي التفكير في المخاطر وتحديد التدابير للحد من المضاعفات المتأتية ولمحاولة الرد عليها على الاقل.
ليس من المرجّح ان تحظى اقتصادات الاتحاد الاوروبي بمنافع خروج بريطانيا انما هنالك احتمال ان تستفيد الدول الاعضاء من نقل وظائف الخدمات المالية التي تستخدم لندن كمركز رئيسي لها الى مدن مثل فرانكفورت وباريس.
لذلك عندما نرى ان رئيس صندوق النقد الدولي يحث بريطانيا على البقاء في اوروبا وردود الفعل الغاضبة من هذا النوع من التدخل نقول ان العملية الديمقراطية يجب ان تأخذ مكانها ولن يتأثر البريطانيون بما يصدر عن الصندوق وقد يكون على عكس المتوقع ان يأتي التصويت وتبعاته عكس تمامًا ما يريده صندوق النقد الدولي.
اذا كان العالم ينتظر اليوم قرارا قد يكون اكبر الخيارات التي سوف تتخذها بريطانيا منذ فترة زمنية طويلة، يبقى حسب «فاينانشيل تايمز» ان الخطوات الاهم التي ينبغي اتخاذها بعد الـ Brexit تتلخص بالتالي:
الوعد: ستسعى بريطانيا الى ترك الاتحاد الاوروبي وتحدي بروكسيل حول قوانين الهجرة.
الخطر: حسب جورج اوزبورن وزير الخزانة في المملكة سوف يكون هنالك ٣٠ مليار جنيه استرليني تشكل ثقبا اسودا في المالية العامة اذا تم التصويت اليوم على الخروج.
السياسية: التصويت سوف يفتح الباب امام فترة طويلة من عدم اليقين لبريطانيا والاتحاد الاوروبي. التحليل القانوني: الاستفتاء ليس الزاميا وماذا سوف يحدث بعد ذلك مسألة سياسية لا علاقة للقانون بها.
يبقى القول ان الاستفتاء اليوم سوف يثير جملة تكهنات وعدم يقين حول مصير الاقتصاد والهجرة وخيارات التجارة وما سوف يكون الرد الاوروبي الطبيعي على هذه الامور.
اذا كانت بعض الاشياء تلقائية وواضحة للعيان انما يبقى القول ان النمو سيتأخر كذلك الاستثمار الاجنبي المباشر بينما يقول «أبطال» الـ Brexit ان الاقتصاد سوف يزدهر خارج الاتحاد. أما ملف الهجرة فقد يكون سببا وجيها يدعم فكرة ترك الاتحاد الاوروبي. اما من ناحية التجارة فإن دعاة الـ Brexit يقولون انهم سيستفيدون باصدار اتفاقيات تجارية مع الكتلة.
هذا بالاجمال ما سيحل في بريطانيا اذا ما صوت البريطانيون اليوم على الـ Brexit . اما الرد الاوروبي فيبقى سريا للغاية. وباتت الحكومات تتطلع الى اوروبا دون بريطانيا ووضعوا ما يسمّى «خطة ب» للأمن والدفاع المشترك خارج بريطانيا.
اليوم مفصلي للمملكة المتحدة والجنيه الاسترليني كما انه مفصلي ايضا للاتحاد الاوروبي. وقد يكون الـ Brexit اكبر القضايا الشمولية التي سوف يواجهها الاتحاد الاوروبي ليس فقط اقتصاديا إنما سياسيا وامنيا وتجعله يتطلع الى خيارات اخرى هي في المطلق ليست بالأحسن.