دراسة بريطانية تُثير جدلاً بين اللبنانيين
حلّ لبنان في المرتبة الثانية في ترتيب دراسة بريطانية أجريت حول أسوأ البلدان من ناحية إنجاب وتربية الأطفال وتكوين الأسرة. خبر إنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل هيستيري، فتلقفه اللبنانيون وبات مادة سجالية أنستهم الحكومة والثورة على السواء. ولكن مهلاً مهلاً، الى الذين “رجموا” لبنان في هذا الموضوع، من المهم أن تعلموا أنّ هذه الدراسة غير علمية وهي بمثابة “أطروحة” “غير ناجحة” لطالب في الجامعة.
صحيح أنّ لبنان يعاني من أزمات ومشكلات متنوعة، إلّا أنّ هذا لا يشمل تربية الأطفال وتكوين الأُسر، بعكس ما يظن البعض، فإن لبنان ما زال يحافظ على مستواه الجيد في ما يخص القيم الاجتماعية والعائلية. وكانت صحيفة “المترو” البريطانية قد نشرت دراسة أعدتها الـ” US News ” و ” World Report ” و جامعة ” Wharton School of the University of Pennsylvania ” حول أسوأ البلدان وشملت 73 بلداً من ناحية إنجاب الأطفال وتربيتهم وتكوين الأسرة، وحل لبنان في المرتبة الثانية في الترتيب قبل كازاخستان التي احتلت المرتبة الاولى (الأسوأ) في التصنيف، وجاءت الأردن بالمرتبة السادسة، والسعودية في المرتبة السابعة. واحتلت بريطانيا المرتبة السادسة بين افضل دول العالم (لجهة الظروف الفضلى لإنجاب الأطفال والعيش الرغيد) في تقرير أفضل الدول لعام 2020، حيث حصلت سويسرا وكندا واليابان على المراكز الثلاثة الاولى. واحتلت الدول الاسكندنافية مكان الصدارة، حيث حصلت الدنمارك والسويد والنرويج على المركز الاول والثاني والثالث.
واعتمدت الدراسة في تصنيفها على مؤشرات الدخل والاستقرار السياسي والسلامة العامة عن طريق تقسيم الناس في كل بلد إلى مجموعات مختلفة للحصول على تمثيل دقيق.
دراسة غير واقعية
“مقال صحيفة “المترو” غير علمي، ومكان نشر هذه الدراسة غير متخصص أو غيرموثوق به، وليس صحيحاً أنّ لبنان هو من اسوأ بلدان العالم من ناحية التربية والانجاب”، هكذا علّق عضو مجلس ادارة المنظمة الدولية للأسرة، والبروفسور في كلية التربية والمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ايلي مخايل على المقال المنشور، مشيراً الى أنّه “لا توجد أي مؤسسة دولية معنية بمراقبة طرق تربية الأطفال، ويوجد شق تربوي بسيط يخضع لتصنيفات الـ”أونسكو”. كما أنّ إنجاز دراسة من هذا النوع يحتاج إلى داتا من الوزارات المتخصصة في كل بلد ومن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وهذا غير متوافر في المقال المنشور. كذلك، تغيب عن هذا المقال المؤشرات الدقيقة التي اعتمدت عليها النتيجة المنشورة، وفي قراءة علمية لها من الأسوأ الى الأفضل، نلاحظ عدم واقعية الدراسة ليس فقط على مستوى لبنان، إنما ايضاً على ترتيب كل من السعودية وعمان والأردن”.
تصنيف لبنان خاطئ
تأخذ الدراسة البريطانية بعداً سياسياً- اجتماعياً بريطانياً بحتاً، وبالتالي هي غير مقلقة، فلبنان يتمتع بمقومات جيدة في ما يخص الرؤية العلمية لتربية الأطفال،على الرغم من كل الثغرات الموجودة فيه، ما يجعلنا ندحض هذه الدراسة علمياً. ويفند مخايل التفاصيل الواردة في التقرير، شارحاً أنّ “العناصر التي بنيت عليها الدراسة، تتعلق بالحوكمة والاستقرار والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، والجندرة… ويكفي وجود فارق واحد في أحد هذه المكونات لينخفض معدل الدولة، وتتراجع مرتبة تصنيفها، كما حصل مع لبنان مقارنةً مع دول أوروبا و أميركا. كذلك، الترتيب غير صحيح من ناحية التصنيف “العالمي” بحيث لم تتناول الدراسة سوى 73 دولة فقط. في المقابل، لو كانت الدراسة علمية لكانت اعتمدت بشكل أساسي على البعد التربوي والاجتماعي والصحي والعلمي والسياسات العامة. وهنا لا بد من الاشارة الى أنّ المستوى العلمي جيد في لبنان على الرغم من تراجعه في السنوات الأخيرة بحسب تقارير الأونسكو، كذلك بالنسبة للقطاع الصحي. ويشهد لبنان ارتفاعاً في تسجيل الأطفال في الحضانات بسبب تحوّل غالبية الامهات الى عاملات، وفي حال عدم الالتحاق بالحضانة، يجالس الطفل اللبناني أحد افراد العائلة كالجدة أو العمة أو الخالة. من جهة أخرى، تعتبر نتائج الدراسة منطقية في حال شملت الوضع الاجتماعي السيئ وغياب العدالة الاجتماعية عند بعض الفئات المهمشة في لبنان، ولكن لا يمكن لأي عقل علمي تعميم منطق الدراسة على المعدلات الوطنية ككل”. يحافظ لبنان على تميزه بمقومات تربية الأطفال العاطفية وخصوصاً بوجود أفراد العائلة البديلة ما يؤمن للطفل توازنه الصحي والنفسي والاجتماعي، وبحسب مخايل “يستطيع لبنان بما يمتلك من قيم منافسةَ أفضل الدول. وصحيح أنّ الفساد يتغلغل في مجتمعنا على أكثر من مستوى، ولكن هذا لا يبرر خلط الأمور ببعضها، ولا سيما في موضوع قيمنا وتربيتنا، وعلى اللبناني التمتع بالوعي الكافي والتدقيق في الدراسات الأجنبية بدل الوثوق فيها عشوائياً”.
الإنجاب في لبنان “حرام”
في المقابل، يؤمن بعض اللبنانيين بنظرية عدم الانجاب، في بلد مثل لبنان، وهذا لا علاقة له بالتربية أو تكوين الأسرة أبداً، بل بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية. هذا هو حال الزميلة فيكي موسى، وهي في الثلاثينات من العمر، متزوجة منذ سنتين، واتخذت قراراً بعدم الانجاب في لبنان بالاتفاق مع زوجها. وما إن تسألها عن السبب حتّى تجيب “حرام، تعذيب الطفل في بلد كهذا”. قرارها هذا ليس وليد الأزمة اللبنانية الحالية، ويعود الى ما قبل “17 تشرين” فالبلد ينزف منذ ما قبل هذه الفترة، الأمر الذي حرم “فيكي” من أمومتها انطلاقاً من قناعتها الشخصية، فهي لا تريد أن يعيش طفلها تجربتها نفسها. وبحسبها “صحيح إني أظلم نفسي من عيش أمومتي، ولكن لا أريد أن أظلم “روحاً” وهذا ما يعوض عني نفسياً. فلماذا انجب طفلاً قدره العيش في بلد يمنعه من الاستمتاع بالحياة، وتأمين أقل حقوقه في التعليم والرعاية الصحية. يوجد من يقول لي “الله بدبر”، وهذا ممكن وصحيح، ولكن كم من لبناني “الله ما دبرو”. وبالرغم من أنّ البعض يصفون قراري بالأناني، الّا أنه من المستحيل أن أتراجع عنه في بلد غير مستقر كلبنان، فأنا اليوم بالكاد أستطيع تأمين متطلباتي في العيش المحترم، فكيف يمكن أن أتحمل مسؤولية طفل وأربيه كما يجب. وفي حال تمكنت من الهجرة الى بلد محترم فبالطبع عندها سأنسف هذه النظرية”.
بيروت: الأسعار نار
وبالرغم من تصنيف لبنان في المراتب الأخيرة والأسوأ في أكثر من مجال، احتلت بيروت المرتبة الـ184 بين 440 مدينة عالمياً والمرتبة الثالثة بين 24 مدينة عربية شملتها الدراسة السنوية للعام 2020 التي أعدّتها قاعدة البيانات العالمية «Numbeo» من حيث كلفة المعيشة. وقد صُنّفت بيروت المدينة الأكثر غلاء بين 108 مدن في الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع والمشمولة في المسح. وعند احتساب عدد المدن نفسها المدرجة في مسح العام 2019 ومسح العام 2020، جاءت بيروت في المرتبة الـ164 في مسح 2020 مقارنةً بالمرتبة الـ172 في مسح 2019، ما يعكس ارتفاع كلفة المعيشة في بيروت، علماً أن مؤشر كلفة المعيشة هو المؤشر النسبي لأسعار السلع الاستهلاكية والتي تضمّ محال البقالة، والمطاعم، ومراكز النقل والمرافق العامة. وتُعتمد «Numbeo»، على مؤشر مدينة نيويورك الأميركية، كأساس للمقارنة بباقي المدن. كما أنها تصدر مؤشراً للإيجار، وهو تقدير لأسعار إيجار الشقق في مدينة معينة مقارنةً بتلك التي في نيويورك. وصُنّفت بيروت في المركز الـ168 عالمياً، والسابع بين الدول العربية والخامس بين المدن في الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع على مؤشر أسعار الإيجارات، وهو قيمة إيجار الشقة في مدينة معينة مقارنة بقيمة الإيجارات في مدينة نيويورك. عالمياً، تخطّت كلفة إيجار شقة في بيروت تلك التي في بانكوك، ولينز في النمسا، ومالمو في اسوج، في حين كانت أقل من كلفة إيجار شقة في «Little Rock» في أركنساس، و»Tulsa « في أوكلاهوما «berdeen « في المملكة المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن مؤشر البقالة (Groceries Index)، وهو تقدير للأسعار في محال البقالة في مدينة معيّنة مقارنةً مع تلك التي في نيويورك، أدرج بيروت في المرتبة الـ218 عالمياً، والسابعة بين الدول العربية والعاشرة بين المدن في الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع. وحصلت بيروت على نتيجة 45,27 نقطة، ما يعني أن الأسعار في محال البقالة في بيروت هي أقل بنسبة 54,7% من تلك التي في نيويورك. على الصعيد العالمي، كانت الأسعار في محال البقالة في بيروت أعلى من تلك التي في « Braga « في البرتغال، و» Ljubljana « في سلوفينيا، وبرشلونة؛ في حين كانت أقل من تلك التي في عمان ومدريد وجاكرتا. أخيراً، صُنّفت بيروت في المركز الـ174 عالمياً، والرابع بين الدول العربية والأول بين المدن في الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع على مؤشر المطاعم، الذي يقارن بين أسعار الوجبات والمشروبات في المطاعم والنوادي في مدينة معيّنة وتلك التي في نيويورك. وسجّلت العاصمة اللبنانية نتيجة 63,16 نقطة على المؤشر، ما يعني أنّ الأسعار في المطاعم والنوادي في بيروت هي 36,8% أقل من تلك التي في مدينة نيويورك.
من الأسوأ في الكهرباء
قد لا يكون لبنان الأسوأ في الانجاب وتربية الأطفال وتكوين الأسرة، ولكن لا شك أنه الأسوأ على مستويات عدّة أخرى:
نشر المنتدى الاقتصادي العالمي لائحة بتصنيف البلدان من الأحسن الى الأسوأ من حيث إمدادات الكهرباء. وبفضل هيمنة الفساد والهدر وغياب أي مراقبة او محاسبة وعدم وجود هيئة ناظمة في هذا القطاع، حلّ لبنان في المرتبة الرابعة بين البلدان الاسوأ متقدماً فقط على اليمن، نيجيريا وهايتي. ويصنّف مؤشر التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي جودة إمدادات الكهرباء على مقياس من 1 إلى 7 (1 = غير موثوق به للغاية ؛ 7 = موثوق بها للغاية)، وقد حاز لبنان على 1,7 فاحتلّ المرتبة 134 من اصل 137 بلداً.
…وفي الفساد
حصل لبنان على درجة 100/28 للعام السادس على التوالي، بحسب مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وبحسب المؤشر نفسه فقد تقدّم لبنان إلى المرتبة 138 عالمياً من أصل 180 دولة يُقيسها المؤشر، بعد أن حلّ في المرتبة 143 (تصنيف 2017/2018) إلا أنّ هذا التقدم لا يعكس تحسّن نتيجة لبنان، لا بل هو ناتج من تراجع لبعض البلدان في المؤشر العام. أمّا على المستوى الإقليمي، فقد حافظ لبنان على مرتبته 13 من أصل 21 دولةً عربية.
وفي الانترنت
أشارت الدراسة التي أجرتها شركة «Cable.co.uk» إلى أن لبنان احتلّ المرتبة 167 بين 207 دول حول العالم والمرتبة الـ12 بين 20 دولة عربية من حيث سرعة الإنترنت ذات الحزمة العريضة (Broadband Internet Speed) في العام 2019. كما جاء لبنان في المرتبة 46 بين 54 دولة ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع المندرجة في المسح. وعند احتساب نفس عدد البلدان المدرجة في مسح العام 2018 و2019، لم يسجل لبنان أي تقدم في مرتبته العالمية، في حين تراجعت مرتبته الإقليمية بمركز واحد من مسح العام 2018. وهذه الارقام توضح أنّ سرعة الإنترنت ذات الحزمة العريضة في 81% من البلدان حول العالم هي أسرع من تلك التي في لبنان. وتمّ جمع بيانات المسح في الفترة ما بين 9 أيار 2018 و8 أيار 2019 من قبل مجموعة الأبحاث «M-Lab».
جواز السفر بين أسوأ 10
أظهر التصنيف العالمي لجوازات السفر الصادرة للعام 2019 في موقع «Passport Index»، حلول جواز السفر اللبناني في المرتبة 79 إلى جانب عدة دول أخرى. وأظهر التصنيف أنّ الباسبور اللبناني بإمكانه الدخول إلى 16 دولة بلا فيزا، و35 دولة بفيزا عند الوصول، و147 دولة مع فيزا مسبقة. ووفقاً للتصنيف يحتل لبنان المرتبة نفسها مع دولتي الكونغو والنيبال، فيما تسبقه سريلانكا وتليه نيجيريا وكونغو الديموقراطية وجنوب السودان وكوسوفو. وبذلك يكون الباسبور اللبناني من بين أسوأ 10 جوازات سفر على مستوى العالم.
في التعليم
حلّ لبنان في المرتبة الأخيرة، عربياً، في اختبارات (PISA) العالمية. وقد خاض التلامذة اللبنانيون تقييم مهارات القراءة والرياضيات والعلوم، وعزفوا عن المشاركة في المهارات الشمولية ومهارات الحياة.
لكن حتى في المواد التعليمية، تظهر نتائج الاختبارات أنّ نسبة صغيرة من التلامذة يبلغون مستويات متقدّمة في المهارات في أحد المجالات على الأقل. وحلّ لبنان في المرتبة الأخيرة في قائمة الدول العربية المشاركة في اختبارات البرنامج العالمي لتقييم أداء المتعلّمين (PISA)، وفي المرتبة الـ74 من أصل 77 دولة شاركت في الاختبارات.