IMLebanon

سوريا استفاقت بعد 12 سنة على أبراج المراقبة!!!

 

«الأبراج البريطانية» أو أبراج المراقبة على الحدود بين لبنان وسوريا، عنوانٌ تصدّر ما سواه من ملفات مطروحة وأزمات متفاقمة، على خلفية مذكرة الاحتجاج التي وجهتها الخارجية السورية الى نظيرتها اللبنانية. واعتبرت المذكرة أنّ تلك الأبراج الممتدة من النهر الكبير في الشمال اللبناني الى ما بعد منطقة راشيا في البقاع على حدود البلدين، والتي تمّ إنشاؤها في العام 2012 أي قبل 12 سنة بالتمام والكمال، تشكّل تهديداً على عدّة مستويات أولها: المعدّات الاستعلامية والتجسّسية الحسّاسة التي تتضمنها منظومات الأبراج -كما تقول مذكرة الاحتجاج-، والتي تسطع الى مسافات عميقة داخل الأراضي السورية، وتجمع المعلومات عن الداخل السوري.

 

أشير هنا الى ان أبراج المراقبة هذه والمقدّمة من بريطانيا مجهّزة بوسائل اتصال وكاميرات مراقبة… وقد مكّنت الجيش اللبناني، وتحديداً أفواج الحدود البرّية، من تغطية ما يقارب 65% من الحدود بعدما كان قد درّب عليها أكثر من ستة آلاف من عناصر الوحدات الخاصة في الجيش. وتجدر الاشارة الى أنّ تشييد الأبراج جاء في سياق الدعم البريطاني للجيش اللبناني، عبر تقديم تجهيزات ومعدات عسكرية جرى تسليمها الى ألوية الحدود البرّية من ضمنها آليات ودروع للأفراد وأجهزة لاسلكية وسواتر دفاعية وكاميرات مراقبة بعيدة المدى، وذلك بهدف منع ورصد وضرب وضبط كل العمليات غير الشرعية عبر الحدود.

 

وهنا أتساءل: طالما أنّ هذه الأبراج قديمة العهد (منذ 12 عاماً كما ذكرنا)، فلماذا استفاق عليها الجانب السوري الآن؟ وهل هناك شيء جديد استجد…؟ هذه التساؤلات المشروعة يمكن ربطها بالأمور التالية على سبيل الاستنتاج:

 

أولاً: تتحدث بعض المعلومات عن طرح قدّمه وزير الخارجية البريطاني ديڤيد كاميرون الى الحكومة اللبنانية خلال زيارته الى بيروت، يتناول إنشاء أبراج مراقبة مشابهة على الجبهة الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي أزعج الفريق الممانع، ما دفع الخارجية السورية للتحرّك… فأرسلت مذكرة الاحتجاج التي أثارت هذه الأزمة.

 

ثانياً: أتساءل هنا أيضاً: بما أنّ التنسيق المشترك بين الجيشين اللبناني والسوري لا يزال قائماً، من خلال مكتب التعاون والتنسيق، فلماذا لم تتم معالجة هذا الأمر عبر هذا المكتب؟

ثالثاً: هذا يؤدي بنا للاعتقاد بأنّ المشكلة، أو القضية المطروحة، ليست عسكرية، وإنما هي سياسية بامتياز.

 

رابعاً: هنا أسأل: لماذا كان الصمت السوري مسيطراً طيلة 12 سنة، ولم تثر القضية؟ لقد قيل الكثير في الماضي عن فائدة هذه الأبراج، وأولها منع تسلل الارهابيين، لا سيما عناصر «داعش» يومذاك، ثم منع التهريب من وإلى لبنان، بمعنى أنّ هذا الأمر فيه فائدة للطرفين اللبناني والسوري في الوقت نفسه.

 

خامساً: أقول لمن لا يعلم… إنّ من مصلحة البلدين أن تكون الحدود مضبوطة تماماً، وهذه الأبراج مرتبطة مباشرة بغرفة العمليات في قيادة الجيش، وأنّ دور بريطانيا توقف عند تمويلها وإنشائها، وليس لديها أي وصول أو صلة بما يتم متابعته، وأنّ لا دور مخابراتياً لتلك الأبراج، علماً ان المساحة التي تغطيها لا تتعدّى الـ5 كيلومترات عند الحدود السورية.

 

سادساً: أجزم أيضاً وأيضاً أنّ لا وجود لضباط أو عناصر أجنبية إطلاقاً في مراكز الجيش اللبناني مهما كان تصنيفها أو نوعها.. وأذكّر أيضاً أنّ هناك بعض الأبراج التي أُوجدت أو استحدثت بعد معركة «فجر الجرود»، لا سيما في المناطق الحدودية التي سيطر عليها الارهابيون فترة من الزمن.

 

سابعاً: أذكّر القراء الكرام بأنّ التهريب بين لبنان وسوريا ليس جديداً، غير ان وجهة التهريب بين البلدين تغيّرت في السنوات الأخيرة… فبعدما كان التهريب يجري لسنوات من سوريا الى لبنان تحوّل الى تهريب المواد المدعومة في لبنان خلال الأزمة الاقتصادية من لبنان الى سوريا.. وهنا أسأل أيضاً: لماذا صمت السوريون وغير السوريين من المستفيدين حين كانت صهاريج المحروقات تمرّ على حواجز للقوى الأمنية مثل حاجز البزالية البقاعية من دون أن يتم ايقافها، هذا إضافة الى المعابر غير الشرعية التي كان المهرّبون يسلكونها وعلى «عينك يا تاجر» وهم يحملون المواد الغذائية المدعومة من لبنان حتى «فرغت خزينته» يرافقهم السوريون الذين كانوا يدخلون لبنان خلسة، فزاد العدد الموجود حالياً في لبنان على المليوني سوري؟ وإذا كان هناك من لا يذكر ذاك التاجر اللبناني الذي استفاد من تهريب هذه المواد المدعومة… هذا التاجر الذي هو شريك «طفل الأنبوب» أو «الطفل المعجزة» الذي استفاد هو الآخر من عمليات التهريب السرّية والعلنية.

 

لقد دفعت الحاجة في السوق السورية للبنزين المهربين اللبنانيين أيضاً الى تهريب البنزين لتحقيق أرباح طائلة… كما أشير الى ان أهالي المناطق المتداخلة حدودياً يعتبرون أنّ المعابر غير الشرعية حاجة معيشية لهم. ونشير كذلك إلى ان هناك تحالفاً كان قائماً بين بعض شركات النفط وبعض المهربين اللبنانيين والسوريين، ما كبّد لبنان مبالغ طائلة من الدولارات المدعومة من مصرف لبنان..

 

ثامناً: عندما تفاقمت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان عام 2019، واتجهت الدولة اللبنانية مناشدة مصرف لبنان حلّ المعضلة، وتبنّت هذه الحكومة سياسة الدعم التي كبّدت الخزينة ما لا يقل عن 20 مليار دولار، كان القسم الأكبر من هذه المواد المدعومة تُهرّب الى سوريا… فهل كانت الأبراج المشادة على الحدود «آمنة وسالمة»… ولماذا تحوّلت اليوم الى مصدر تجسّس على الشقيقة سوريا؟ أليْس هذا السؤال مشروعاً ويستحق الإجابة؟

 

إنّ حجّة سوريا بأنّ الناتج المعلوماتي من هذه المعدّات، يصل الى أيدي البريطانيين، وأنّ العدو الاسرائيلي يستفيد من هذا الناتج لاستهداف الاراضي السورية، وتنفيذ ضربات في العمق السوري، هذه الحجّة مرفوضة جملة وتفصيلاً كما أشرت في مقالي هذا… فأفواج الحدود البرّية في لبنان يقومون بمهمات خاصة بضبط الحدود عبر هذه الأبراج، وعناصر الفوج هم لبنانيون يعملون وحدهم، ويحصلون على المعلومات وينقلونها الى القيادة من دون أن يعرف بها أحد، والقيادة هي التي تتصرّف بملء إرادتها.

 

أعتقد أخيراً بأنّ هناك «غاية في نفس يعقوب» هي التي أملت إرسال هذه المذكرة التي لا تهدف إلاّ لتحقيق غاية سياسية فقط.