سياسة مقال
لم تلقَ مطالبة وليد جنبلاط بتشكيل «اصطفاف وطني عريض يدفع باتجاه استقالة الرئيس ميشال عون» صدى كبيراً في الأوساط السياسية. حتى أن بعضهم، من «ذوي المعرفة»، لم يسمعه. وفي الشارع، الذي يهتف بعضه «ارحل ميشال عون»، لا تُصرف المطالبة، طالما أن مطلقها هو جنبلاط، صاحب الأغراض، وأول «المطلوبين» للرحيل. حتى الاشتراكيون أنفسهم، يشرّحون الموقف باعتباره «ردّاً على سؤال»، من دون تحميله المعاني.
الجميع منشغلون بأمورٍ أهمّ، أو يراقبون التفكّك المتسارع الوتيرة للدولة والسياسة والاقتصاد… والأمل.
من يراقب الحركة خلال الأسبوعين الأخيرين، ومحاولات تجميل الصورة للعلاقة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والرئيس سعد الحريري، وما تُوّج لاحقاً في «اجتماع الإقليم» بين مسؤولين ونواب من الاشتراكي والمستقبل، يُخَيَّل إليه أن «الاصطفاف العريض» في طور التشكّل.
ثمّ سريعاً، ما إن يطلّ نواب اللقاء الديموقراطي من جلسة منح الثقة لحكومة الرئيس حسان دياب، والإشارة إليها بأنها الكتلة التي أمّنت النصاب، يظهر جنبلاط أكثر الحريصين على إبقاء الخصومة مع حزب الله تحت سقف التفجير الكبير.
خَبِر جنبلاط بعد اغتيال رفيق الحريري، ثلاث سنوات من المماحكات مع الرئيس إميل لحّود، المعزول دولياً وداخلياً في ذلك الوقت. كل محاولات رئيس الاشتراكي وخلفه فريق 14 آذار وامتداداته الإقليمية والدعم الدولي لإخراج الرئيس من قصر بعبدا باءت بالفشل، وبقي لحود حتى اللحظة الأخيرة صامداً. حتى البطريرك نصرالله صفير، رفض إسقاط لحود، لحسابات «الحفاظ على الموقع المسيحي الوحيد في المشرق».
ثمّ بأي حلفاء ينوي جنبلاط إسقاط عون؟ وهل لا يزال يملك حلفاء حقّاً في الساحة اللبنانية بعد أن فقد زخم الخارج؟
العلاقة مع حزب القوات اللبنانية في أسوأ أحوالها. جرّب سمير جعجع الاتكال على جنبلاط عدّة مرّات، وكان يفقده على «أوّل مفرق». تماماً مثل الحريري، الذي خذله زعيم المختارة مرّات عديدة، منذ انعطافة آب في 2009 وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حتى وجد في جبران باسيل، حليفاً أكثر أماناً ومنفعةً من صاحب مقولة «حيتان المال». أمّا الرئيس نبيه برّي، فأجّل خصومته مع عون إلى أجلٍ غير مسمّى. هذا عدا عن أحوال الحلفاء المفترضين، جعجع والحريري، المتدهورة.
جنبلاط، مثله مثل الآخرين. ما يحرّكه هو الخوف من المجهول، والحلّ اللبناني المرمّي في أسفل أجندات الدول، والفوضى التي تطوّق البلاد. على هامش الظروف الإقليمية والمحليّة، حالة مثل الزعامة الجنبلاطية، لم تعتد المساءلة يوماً. بل كانت دائماً سياساتها هي نفسها «مصلحة الطائفة» بالنسبة للجمهور، في داخل الجماعة وخارجها. اليوم، عند كل موقف تتعالى الأصوات والانتقادات، حضور الجلسة أو الغياب عنها سيسببان الانتقاد بالقدر ذاته. توزيع المازوت على القرى، وعدم توزيع المازوت، سيّان أمام مطحنة «التواصل الاجتماعي». اليوميات الجديدة، منهكة للغاية.
هل يفتقر طرح نائب الشوف السابق باصطفاف عريض بهدف استقالة عون، إلى الجديّة؟ هكذا توحي الحركة، كلامٌ بلا مفاعيل عمليّة، ولا أدوات، ولا بديل، ولا خطّة.