IMLebanon

السمسرات والسرقات: إلى أي حدّ وإلى أي مدى؟!

 

ما زال الوطن كله معرضاً لجملة من الروائح والفضائح دون أن تتمكن القوى الفاعلة فيه من السير خطوة واحدة إلى الأمام تبشر بأن مسيرةً ما قد بدأت خُطاها الأولية باتجاه وضع حدٍّ للمساوىء السياسية والزعاماتية القائمة، إضافة إلى من اختبأ في عبّها الممتلىء والمترجرج من هول الأثقال المتفاقمة والتي امتلأت بها كثير من الجيوب والذمم المالية، حتى لأصبحت القاعدة السلطوية العامة تؤكد بشتى الإشارات والإشعارات والأوامر السلّطوية والزعاماتية المختلفة، بأنه بات ممنوعا على أي مشروع تنموي كائنا ما كانت أهميته ووجوبيته، متابعة مسيرته في سكّة القانون والأنظمةِ العامةِ والضمائر الحية، دون أن يكون مثقلا بالقُطَبِ الظاهرة والمخفية والتي تؤشر بذاتها عن ذاتها على وجود سرقة ما وعملية احتيال ما تُركت خلف كل مشروع يطفو إلى الساحة وإلى الوجود العملي والمادي. والأموال المسروقة، وعمليات الإحتيال الفاضحة هي دائما مدفوعةٌ بأثمان باهظة تفوق كلفة المشروع المفترض، بأضعاف أضعاف كلفته، ودافع الثمن هو الشعب المنكوب، بكثير من قادته وزعاماته وأهل الخبرة في مسالك الزعبرة واقتناص الثروات فيه دون أن يرفّ للمزعبرين جفن، ودون أن يبدو على القنّاصين أية دلائل تشير إلى أدنى أحساس بالذنب تجاه هذا الوطن المنكوب، وتجاه هذا الشعب المغلوب على أمره.

نقول ذلك، وأزمة النفايات التي تنططت حلولها بين وقت وآخر ومرحلة وأخرى مثقلة في كل مرة بأكداس من النفايات والفضائح كانت كل منها من فرط فضائحيتها، كفيلة بتأجيل اعتماد الحلول العملية بشأنها، حتى إذا ما استقّر حلٌّ ما على قاعدة ما و«استبشر» المواطنون بحلٍّ تم اعتماده قد يظهر قولا وفعلا إلى الوجود حاجباً عن الناس روائح النفايات « العطرة» ودوافع الأمراض الخطرة التي يمكن أن تتأتى عن استمرار الزبالة تسرح وتمرح على هواها وعلى هوى المسؤولين الحقيقيين المتمكنين من مفاتيح الألعاب ومسالك الوصول إلى منابع السرقات والثروات، وفي كل مرة يعلن عن حل ما أصبح نهائي الإعتماد، قامت قيامةٌ ما عليه ومن حوله، وانطلقت في كل الآفاق روائح أخرى فضائحية الطابع تحلّ محلّ الفضائح التي سبقتها، والحال واحد: سرقات يتم تنظيمها في العلن وفي الخفاء، وثمن جديد يدفعه الوطن والمواطن، كل ذلك يحصل، وأصحاب القرار بكل أشكاله وأنواعه، متروكون لشأنهم، والمواطن يتساءل في كل حال : أين السلطة؟ أين القضاء؟ أين النيابات العامة، تقال هذه الإستعلامات بشأن الزبالة وبكل شأن مماثل لها في روائحه الفضائحية، منها على سبيل المثال لا الحصر، قضية الأنترنت التي طرحت منذ وقت بعيد، والتي تمّت من خلالها أعمال سرقة ونهب للمال العام والتي عرّضت سلامة البلاد وأمنها لأخطار التجسس الإسرائيلي واسع النطاق والمنفتح على شتى المناطق والمرافق، أين القضاء؟ أين النيابات العامة؟ هي إن وجدت، فهي تتابع سيرها و«تحقيقاتها» بسرعة السلحفاة، والأجواء العامة مليئة بمحاولات تهريب المسؤوليات وإطفاء آثارها الملتهبة على مرأى ومسمع ومسعى الخاصة والعامة.

ويتسلل إلى المواضيع ذات الاهتمام والطابع المشبوه، جملة من المشاريع التي يسعى البعض إلى الإنتقال بها من موقع الدراسة التقنية والبيئية، حيث هناك تناتش وخلافات في الرأي وفي الأحكام العملية والرقمية، إلى موقع التجاذب السياسي والخلافات المصلحية، نتكلم عن «سدّ جنة» التي وصل جموح وجنون البعض بشأنه إلى حدّ نقله بكل الوسائل الخلافية المتيسرة إلى موقع الخلافات الفئوية والطائفية، وصولا إلى استعمال التحديات القولية موجهة بشكل مصطنع وغير صحيح وغير واقعي، من مدّعي صفة التحدث باسم الطائفة المارونية إلى بقية الطوائف وتصوير هذا المشروع غارقا في لغة التحدي والتطاول، علما بأن «سدّ جنة» في واقع الحال يطاول منطقة سياحية لعلّها الأجمل في لبنان، وهو يحمل دلالات مرتبطة بالتاريخ اللبناني القديم (وادي أدونيس، العائدة تسميته إلى مرحلة متغلغلة في التاريخ الفينيقي القديم). وبصرف النظر عن كل الإعتبارات، فإن هذه المنطقة هي بين قلائل المناطق اللبنانية التي يقتضي أن تبقى على حالها الجمالي والمعنوي المميز، إلاّ اذا استمر المتمسكون بسياسات التحدي بشأنها، إنطلاقا من السياسات المصلحية نفسها المستفرسة في نهش الثروات اللبنانية كلها توصّلا إلى تنمية الثروات الزعاماتية والشخصية لدى بعض الحاكمين والمتحكمين، وأزلامهم وأنصارهم. ويمكن الإنطلاق من هذه الإشارات إلى إشارات حاصلة في مواقع الإصطياد المالي منذ أمد بعيد، ونكتفي بالعودة إلى ذكرها بعدما حفلت وسائل الإعلام في الماضي القريب والبعيد، بالإضاءة على نهبها المنظّم وسرقاتها الواسعة، مشيرين للذكرى والتذكير فقط، إلى ما هو حاصل ويحصل في مرفأ بيروت ( وسواه من المرافىء ) ومطار بيروت ودوائر الجمارك من فلتان لا يعلم مداه إلا الله، والضالعون بالشؤون المالية المغتصبة، والتي تحتاج في فرص وطنية لاحقة إلى فتح هذه المواضيع واجراء المحاسبات الشاملة بشأنها في إطار عودة السلطة وعودة الدولة، وعودة القضاء والنيابات العامة إلى المواقع الطائلة والقادرة وهو أمر ربما كان بعيد التحقيق، ولكنه دون شك سيكون بين الأوراق المحاسبية المستقبلية المطروحة.

في غمار هذه الأوضاع السيئة التي تغيب فيها كل السلطات عن مواقعها وعن سلطاتها، وفي غمار هذه الأيام التي يستولي فيها السلاح غير الشرعي على مواقع الحكم والتحكم برقاب الناس وإراداتها وقراراتها الذاتية، الأمر الذي يتنافى مع واقع الشعب اللبناني وطبيعته وتوجهاته.

لمما يبث الأمل في الآفاق الوطنية والشعبية كافة، قيام مشاريع معارضات شعبية تمثلت خاصة بنتائج الإنتخابات البلدية والإختيارية التي أظهرت جزءًا هاما من آراء وقرارات الزعماء حيثما كانوا وقد أصبحت على تناقض وتناهض مع إرادات الجماهير الشعبية التي باتت تسلك طرقاً تكاد أن تكون متناقضة مع سلوكيات الممسكين برقبة التسيير والتعتير ومتخذين القرارات بعيدا عن الإرادات المستجدة، هذا الصوت المستجد هو أمل من آمال المرحلة المستقبلية سواء بقي مناضلا وحده وسط التيارات المتناقضة والمتناهضة، أم ان القيادات، أو على الأقل بعضها، ستعمد إلى التقاط الإشارات والإعتراف بالخلل الشعبي وإعادة وصل ما انقطع بينها وبين القيادة وجمهورها، وهذا ما أعلنه الشيخ سعد عندما دعا إلى مؤتمر قيادي وتنظيمي قريب لمحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه بعد أن اعترف مشكورا بوجود خلل ما لا بد من اكتشافه وإصلاحه، وهذا ما نرجو أن يتم بأصفى وأخلص وأنجع الوسائل والدراسات المطروحة، على أن تشتمل المرحلة الإصلاحية المقبلة، على إصلاح في التركيبة القيادية والتنظيمية، وعلى تعديل في الآراء والأهداف العامة المطروحة بما ينسجم مع تبدل الأوضاع وتطور الفكر والموقف الشعبي.