Site icon IMLebanon

حروب الإخوة تدمّر الأمة بأقطارها جميعاً..

لم يسبق أن عاش «العرب» هذا المسلسل من الحروب الأهلية أو الحروب في ما بين دولهم كالذي يعيشونه الآن، مدمراً أحلامهم بالوحدة أو طموحاتهم إلى حياة لائقة في بلدانهم. تستوي في ذلك الدول الغنية بمصادر الثروة التي وفرتها الطبيعة (نفط وغاز) أو تلك المؤهَّلة لأن تبني شعوبُها أوطانَها بجهدها وعرق الجبين.

سقطت «الأخوة» و «وحدة المصير» تحت سنابك الدبابات أو صريعة قذائف المدفعية أو الصواريخ بعيدة المدى عظيمة التدمير.

اندثرت جامعة الدول العربية بلا وداع، بعدما أسهمت بعجزها عن أن تكون «جامعة» أو «رابطة»، فضلاً عن أن تكون مشروع اتحاد أو وحدة بين الدول التي انضوت في عضويتها توكيداً للهوية الجامعة والأمل في تقارب يوصل إلى تكامل أو اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي أو «مجلس تعاون» بين الأغنياء والفقراء بدافع من روابط الأخوة والمصالح المشتركة وطلباً لمنعة دولها وتحصينها في وجه المشروع الإسرائيلي الذي يتبدى وكأنه قد بنى «الدولة الوحيدة» في هذه المنطقة… وهي تكاد الآن تعطل أي توافق عربي ولو بالحد الأدنى.

هي الحرب على الذات حيثما التفت مشرقاً ومغرباً.. أحياناً تتخذ شكل الحرب الأهلية وفي أحيان أخرى الحرب بين «قطرين» أو أكثر، وفي حالة اليمن اندفاع مجموعة دول عربية، بعضها بلا تاريخ، وبعضها الآخر طالما قاتل العروبة بالإسلام، إلى شن الحرب، وبأعظم الأسلحة فتكاً على أفقر دولة عربية وأشدها بؤساً.

هي الحرب على الذات التي تحوّل إسرائيل من عدو لجميعهم إلى حليف لبعضهم ضد البعض الآخر… وهذا ما تؤكده التطورات الحربية التي تشهدها دول عربية عدة.

إذا صار الأخ الشقيق هو العدو المبين فمن المنطقي أن تتحول إسرائيل إلى حليف، وأن تصير الولايات المتحدة الأميركية المرجعية العليا، وأن يبادر الاتحاد الروسي إلى نصرة من حالفه من الأنظمة العربية لحفظ حصته في الكعكة.. ففي السياسة عموماً، والسياسة الدولية بالذات، لا مجال للعواطف بل المصالح هي المرجع والأساس في تحديد السياسات.

من الصعب الآن رسم خريطة للوطن العربي إلا بدماء أبنائه…

ومن الأصعب أن تتخيل مستقبلاً مقبولاً لأية دولة من دول هذا الوطن العربي، الذي كان حلماً فحوّله حكّام دوله إلى جحيم.

حيثما التفت تطالعك أنهار من دماء الأهالي الفقراء، وآلاف الخيام المقامة عشوائياً داخل بعض الدول أو في الدول المجاورة، تحتضن مئات الآلاف وربما الملايين من الهاربين من جحيم الحرب في أوطانهم إلى أي مكان ولو في أعماق البحر الأبيض المتوسط، أو على بر أستراليا وصولاً إلى المحيط المتجمد الشمالي.

وعلى سبيل المثال، فإن حيرة المواطن اللبناني حول مستقبل دولته أخذت تدفعه إلى ترحيل أبنائه إلى أي مكان في أميركا أو أوروبا أو أفريقيا، لكي يطمئن إلى سلامتهم فضلاً عن الاطمئنان إلى مستقبلهم، ولو بعيداً عنه وعن الوطن وأرزته الخضراء.

أما سوريا فإن ملايين من أهلها خرجت ولن تعود، أقله في المدى القريب، إلى وطنها الذي كان نموذجاً للاستقرار، ولو في قلب كفاية أقرب إلى الفقر.. باستثناء تلك القلة من المستفيدين من السلطة التي تعرف من أين تؤكل الكتف ومعه العنق، وكل ما له قيمة في بلاده..

وأما العراق، أرض السواد، الذي كان ذات يوم يسمى «بروسيا العرب» فإعادة بناء دولته تكاد تضيع هباء في مشروع حرب أهلية، اللهم إلا إذا انتبهت قياداته فعملت على توحيد شعبه لمواجهة الخطر المصيري على البلاد والعباد ممثلاً بـ «داعش».. بينما الأقرب من الأشقاء يشمتون بشعبه انتقاماً لحكم بائد فيه استقوى عليهم فحاول اجتياحهم.

الجديد في المخاطر اندفاع الدول الغنية المتجمعة في مجلس التعاون الخليجي إلى فرض سيطرتها، بالقوة، على جوارها شرقاً وغرباً (نموذج الحرب على اليمن والخلافات المتفجرة التي تكاد تكون حرباً على العراق وحرباً فعلية على سوريا مع شيء من التمدد إلى لبنان).

إن «بلاد الخير» قد تحوّلت إلى بلاد الحرب على أشقائها: مرة تقاتلهم باسم الإسلام، فإذا لم تنجح حاربتهم باسم العروبة، فإذا لم تنجح قاتلتهم باسم مكافحة الإرهاب، كما يحدث مع لبنان الآن.

إن الطموحات الملكية إلى التوسع وفرض الهيمنة على الأشقاء تكاد تتسبّب في تدمير الوطن العربي جميعاً.. والمستفيد الأول والأخير هو العدو الإسرائيلي الذي يتخذ الآن موقع حليفها (موضوعياً)، ولم يعد يداري بإعلان فرحته بهذا الحليف الجديد، الغني جداً، والقوي بأسلحته الحديثة، وهو يوفر عليه أن يشن الحروب لفرض هيمنته على هذه المنطقة التي أضاعت طريقها إلى مستقبلها وتكاد تخسر حروبها ضد أهلها لتنتهي مستعمرة تحت هيمنة العدو الإسرائيلي.