IMLebanon

مؤتمر بروكسل والتفكير خارج الصندوق

 

ليس منتظراً أن يجني لبنان نتائج عملية استثنائية من «مؤتمر مستقبل سوريا والمنطقة» الثامن الذي ينعقد اليوم في بروكسل، لجهة مساعدة الاتحاد الأوروبي على إعادة النازحين السوريين الموجودين على أرضه، إلى مناطقهم في سوريا. فتعديل موقف الاتحاد الأوروبي الممتنع عن تغطية وتمويل العودة يحتاج إلى الكثير من الجهد كي يتبلور على رغم استعداد بعض الدول لمقاربة جديدة.

 

المؤتمر مخصص لعرض أوضاع هؤلاء النازحين السوريين، وللمساهمة في تمويل حاجاتهم في دول الجوار المضيفة، وفي سوريا نفسها. وهو يُعنى أساساً بجمع المبالغ من الدول والهيئات المانحة الدولية والإقليمية والتي بلغت في 2023 حوالى 7 مليارات دولار يتم توزيع قيمتها عبر مفوضية شؤون اللاجئين، في حين تشير معلومات إلى أنّ الدول المانحة لم تسدد المبالغ التي تعهدت بها كاملة. فالولايات المتحدة الأميركية، أكبر الدول المانحة خفّضت قيمة مساهمتها بنسبة 50 في المئة، وألمانيا ثاني الدول المانحة، خفّضتها بنسبة 30 في المئة. وهكذا فعلت دول أخرى بنسب أقل. كما أنّ المنظمات الأممية المعنية بالمساعدات للنازحين وضعت برنامجاً للتعافي المبكر في سوريا نفسها يقتصر تمويله على نيف و300 مليون دولار بعدما كانت المبالغ المخصصة لها تفوق المليار دولار.

 

تسبق المؤتمر على المستوى الوزاري، كما هي العادة في كل سنة، جلسات لمسؤولي الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية من أجل تناول أوضاع النزوح، تحضرها الهيئات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني السورية وغير السورية، ومعظمها يُعنى بأوضاعهم الإنسانية والحقوقية في سوريا وفي خارجها. كما يهدف إلى الخروج بتوصيات حول المبادئ التي يتعاطى على أساسها بعض الدول الأوروبية وفي أميركا الشمالية وكندا، التي تستقبل أعداداً قليلة منهم بصفة مهاجرين. ويعود لكل دولة أن تنفذها وفق قوانينها وقراراتها السيادية.

 

قد يكون بروكسل مناسبة للعودة إلى ما يسميه مسؤولون لبنانيون «التفكير خارج الصندوق» حول سوريا بالتنسيق مع الدول المتوسطية، مثل الحوار الذي سبق أن اقترحوه على مفوضية شؤون اللاجئين من أجل تحديد مناطق آمنة للعودة. إذ يسأل المسؤولون هؤلاء: أليست مناطق تواجد القوات الأميركية آمنة للنازحين؟ وهو سؤال يقابله آخر لدى الأطراف المشككة بنوايا النظام وحلفائه: لماذا لا ينسحب «حزب الله» من مناطق شاسعة يتواجد فيها كي يطمئن النازحون منها ويعودوا إليها؟

 

الجانب اللبناني يأمل بالإفادة من انعقاد المؤتمر من أجل عرض موقفه الذي دأب على تكراره في السنوات القليلة الماضية، الداعي إلى نقل النازحين لأسباب اقتصادية، إلى مناطق أصبحت آمنة في سوريا، وبالتالي إلى رفع التحفظ الأوروبي عن هذه الخطوة بحجة أن سوريا ما زالت غير آمنة.

 

وهو أمر لا يحصل أثناء انعقاد المؤتمر بذاته، بل خلال اللقاءات الثنائية التي يعقدها الوفد اللبناني برئاسة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مع الوفود الأوروبية الأخرى التي بات بعضها يدعو إلى إعادة النظر بالموقف من العلاقة مع النظام في سوريا، بهدف التعاون معه لإعادة النازحين كحل جذري لتسربهم إليها بالطرق غير الشرعية. فهناك زهاء عشر دول متضررة من الهجرة غير الشرعية إليها، وتريد الحدّ منها. وهذا يتطلب رفع العقوبات على التعامل مع النظام في الدرجة الأولى، أو غض النظر عن تطبيق بعضها إذا كان تمويل تلك العودة يعرقلها.

 

هذا، ودأب لبنان في السنوات الماضية على تكرار المطلب نفسه في ما يخص أولوية اعتبار عدد من المناطق آمنة، وعلى الدعوة إلى رفع العقوبات عن سوريا. وفي اعتقاد الجانب اللبناني (بغض النظر عن التباين في المقاربات بين فريق وآخر) الذي بلغ درجة متقدمة من التوافق على إنقاص أعداد النازحين، أنّ أوروبا وأميركا تفرض العقوبات كعامل ضغط على نظام الأسد، وأنها تستخدم ورقة النازحين في هذا السياق، بينما مفاعيل الضغط تلقي بثقلها على كاهل لبنان، لأنّ النظام لا يكترث للحل السياسي الذي تشترطه الدول التي وضعت العقوبات، ولا يهمه بقاء النازحين حيث هم، على رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها سوريا. هذا مع أن عودتهم قد تساهم في إعادة تحريك الاقتصاد السوري لأنّ معظمهم يعمل في الزراعة، فيما سائر قطاعات الأعمال تعاني من نقص في العمالة جراء التهجير.

 

مؤتمر بروكسل محطة قد تطلق مقاربة مختلفة لأزمة النازحين، لكن العارفين يرون أنّ الأمر سيأخذ وقتاً.