Site icon IMLebanon

مؤتمر بروكسل: ما يريده لبنان… والمانحون

المسؤولون الدوليون الذين زاروا لبنان أخيراً، اطّلعوا من محدّثيهم اللبنانيين وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية ميشال عون على أرقام تتعلّق بواقع النازحين السوريين في لبنان، وكلّها تستنطق أخطاراً ديموغرافية يصعب عليه تحمُّلها أو التعاطي معها بمنطق يتجاهل قرع ناقوس الخطر.

لبنان مهدّد بفِعل تراكم نتائج ستّ سنوات من النزوح السوري على أرضه، بأن يواجه في المدى المنظور مشكلة وجود كتلة بشرية بين ظهرانيه، مكتومة القيد، وتكون لها مفاعيل حقوقية واجتماعية وحتى سياسية، تشبه ما تواجهه دول في الخليج العربي نتيجة وجود مواطنين غير مسجّلين قانوناً فيها. هناك 120 ألف حالة ولادة حصلت في السنوات الست الأخيرة داخل بيئات النزوح السوري في لبنان، وجميعها غير مسجّلة لا في لبنان ولا في سوريا.

هؤلاء قد يتحوّلون في المستقبل القريب مشكلة مكتومي قيد لبنانيين، في حال لم تعترف الدولة السوريّة بهم لسبب من الأسباب. كلّ عام يولد 23 ألف طفل لبناني في مقابل 50 ألف طفل نازح سوري في لبنان، لا يتمّ تسجيلهم في دوائر القيد السورية ولا اللبنانية.

ثمّة ظاهرة تتعاظم أيضاً، وهي زيجة نازحات سوريات من لبنانيين، وذلك لدواعي حِفظ أنفسهنّ من الفقر ومواجهة الاستغلال الرخيص. هؤلاء النسوة النازحات المرتفعة أعدادهنّ يمثّلون نوعاً مبطّناً من توطين نسبة غير قليلة من السوريات من طريق الزواج.

إلى ذلك، توجد أرقام معبّرة سياسياً، فيما لو تمّت قراءتها من منظار الواقع اللبناني الشديد الحساسية تجاه توازناته الديموغرافية: فثمّة قرى في

لبنان كان قد اختلّ، أصلاً، التوازن فيها بين مسيحيّيها ومسلميها لمصلحة الأخيرين نتيجة الهجرة وفوارق التكاثر الطبيعي، وهذه القرى تتعرّض الآن لميزان ديموغرافي اختلالي جديد، حيث إنّ نسبة المسيحيين في أكثريتها تدنَّت إلى 2 وإلى 5 في المئة، في مقابل نسبة النازحين السوريين التي بلغت فيها 25 في المئة ونسبة المسلمين اللبنانيين التي تشكّل بقيّة النسبة المئوية.

تؤشّر هذه المعطيات إلى اتّجاه جديد لقراءة نسبة النازحين السوريين في لبنان ليس فقط انطلاقاً من حجمهم داخل المجتمع اللبناني ككل، حيث باتوا النصفَ تقريباً، بل ايضاً من نسبتهم كمسلمين مقابل نسبة مسيحيّي لبنان التي تدنَّت، بحسب بعض الأرقام، لتصبح 30 في المئة.

وبعض الملاحظات ضمن هذا السياق، يفيد أنّ نسبة المسلمين في لبنان بين فلسطينيين هناك خطر من توطينهم، وبين نازحين سوريين لا تملك الدولة أرقاماً تفصيلية وكلّية عنهم وعن ولاداتهم، وليست مضمونة عودتهم جميعاً إلى بلدهم بعد انتهاء الحرب السورية، أصبَحت تفوق نسبة المسيحيين اللبنانيين برقم صادم.

إلى ذلك، يوجد مجال آخر مرتبط بالنازحين السوريين في لبنان، بدأت مؤشّراته تظهر ارتباطاً بين البطالة فيه وبين العمالة السورية. لا يتمّ الحديث هنا فقط عن العمالة التقليدية التي يعمل فيها السوريون في لبنان منذ أمدٍ بعيد، بل عن إقدام الهيئات الدولية العاملة في لبنان على توظيف سوريين بدل لبنانيين، وهناك استطلاع خاص يفيد أنه من أصل نحو أربعين مؤسسة دولية لديها 5 آلاف موظف، يبلغ عدد الموظفين فيها نحو 2300 سوري في مقابل 2700 لبناني وجنسيات غربية.

والواقع أنّ مؤتمر بروكسل المقرّر في 5 نيسان المقبل والذي يحمل عنوان «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، وضمنه بند احتواء تأثيرات النزوح السوري على جواره، يعتزم لبنان مقاربته بصفته مناسبة، يبذل خلالها محاولات لتحصيل موافقة عالمية، وتحديداً غربية، على ضمانات وحلول لأزمة النازحين فيه تتناسب مع خصوصية أنّ حساسية وضعِه الديموغرافي، تُحتّم عليه التحرّك منذ الآن لحماية توازناته على المديَين المتوسط و البعيد، خصوصاً أنّ النزوح السوري بدأ ينتج مساراً تراكمياً من الحالات الديموغرافية داخل بنيته السكّانية تهدّد استقراره الميثاقي الداخلي.

وبحسب المعلومات فإنّ ما يطلبه لبنان من مؤتمر بروكسل، هو إيجاد آليات تدمج بين تمويل عملية النزوح السوري فيه وبين إعادتهم إلى بلدهم، بمعنى آخر، أن يتمّ صرفُ أموالِ المانحين المخصّصة لإيواء النازحين السوريين في لبنان، ليس على عملية استيعابهم في داخله، بل على إنشاء ملاذات لهم داخل مناطق في سوريا، لا تشهد قتالاً بين النظام والمعارضة.

مِن وجهة نظر الدول المانحة، يصعب الاستجابة لهذا الطلب اللبناني لأسباب عدة:

• أولاً، لأنّ فكرة إنشاء «مناطق آمنة» في سوريا لاستيعاب النازحين السوريين، كما يطرحها الرئيس الاميركي دونالد ترامب لا تزال غير واضحة، وهي قيد نقاش يشوبه عدم الجدّية حتى داخل أميركا.

• ثانياً، هناك صعوبة في تحديد أمكنة بعيدة عن القتال تتمّ إعادة النازحين إليها، أضِف إلى أنّ مناطق النظام الآمنة مكتظّة بنازحي الداخل، والأمر نفسه بالنسبة إلى مناطق المعارضة البعيدة عن تماسات القتال.

• ثالثاً، ما ستعرضه الدول المانحة على لبنان في بروكسل، هو سخاء بدفع التمويل الذي يقرّ كلّ عام (مليار دولار)، وليس رفع سقفِه، أي إبقاؤه على حجمه ولكن من دون انتقاص منه عند الدفع كما حصَل في الأعوام الماضية، ومن دون تأخير، أيضاً، في تسديد ما سيقرّر دفعه في المؤتمر.

وبحسب معلومات، فإنه توجد إيجابية في شأن مؤتمر بروكسل هذه السنة، قياساً بمؤتمرات الأعوام السابقة المخصّصة لموضوع إغاثة النازحين السوريين، وقوامها وجود قرار أوروبي بالاستجابة لمطالب لبنان ضمن خطة الدول المانحة بإبقاء النازحين حيث هم (جوار سوريا)، منعاً لتسرّبهم إلى الدول الأوروبية.

وقد تستجد إيجابية أخرى وهي نقلُ البحث في آليات تثبيت استيعابهم، من حالة «تمويل رعايتهم» في دول الجوار السوري، إلى وضع خطط لتمويل جعلِهم نازحين منتجين، أي بناء حيثيات اقتصادية لهم، ما يقلّل ثقلَ وطأتهم الاقتصادية، خصوصاً على لبنان والأردن!