العنف الشمولي الذي مزق المجتمع السوري في السنوات الخمس الأخيرة يختلف نوعياً عن عنف بعض الحروب الاهلية في العقود السابقة مثل حروب البلقان في تسعينات القرن الماضي. النظام في سوريا اعتمد وحشية ممنهجة أدت الى مقتل عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون بواسطة أساليب تعذيب رهيبة، ووثق سبل قتلهم وفق اوامر خطية موقعة من بشار الاسد وكبار مساعديه وصغار جلاديه. الانظمة الشمولية توثق دوماً همجيتها. هذا ما فعله البعث العراقي في ظل طغيان صدام حسين، وهذا ما يفعله نظام الاسد في سوريا. المقال الطويل الذي نشرته مجلة “نيويوركر” بعنوان “ملفات الاسد” يرسم صورة مروعة وموثقة لوحشية منظمة اعتمدها النظام لتحطيم الانتفاضة الشعبية عليه. نظام الاسد استخدم الطائرات الحربية والمروحيات والصواريخ والمدفعية الثقيلة والاسلحة الكيماوية ضد شعبه، ودك مدناً وبلدات، وهذه الوحشية علنية وموثقة.
ولكن ما كشفه مقال “ملفات الاسد” هو ما يمكن تسميته بيروقراطية القتل المنظم في معتقلات النظام وسجونه، وما يسمى بمستشفياته العسكرية، حيث يشارك الاطباء والممرضون في تعذيب المعتقلين وقتلهم. المقال يتطرق تفصيلاً الى عمل “الخلية السورية المركزية لإدارة الأزمة” التي شكلها الأسد والتي يشرف عليها، وهي تنسق اعمال آلة التعذيب والقمع المؤلفة من اجهزة الاستخبارات المختلفة والسجون والمعتقلات، وتتولى بشكل ممنهج تنفيذ الاوامر والتعليمات الخطية للقيادة. هذا عالم تحت أرضي تمارس فيه فظائع لا تصدق: تجويع، تشويه، تقطيع للاوصال، حرق للمعتقلين ليموتوا ببطء، ضربهم لكسر عظامهم، وخنقهم وحتى تذويبهم. ولدى المحققين الدوليين نصف مليون صفحة من الوثائق وهناك اطنان من الوثائق المخبأة داخل سوريا، سوف تستخدم في المستقبل لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم.
واذا كان النظام السوري يمارس وحشية منظمة ضد معارضيه، فان “داعش” يعتمد ويمارس ما يسمى “ادارة التوحش”، أي استخدام أبشع أنواع العنف الطقوسي والعلني لترهيب الاعداء ولتقوية عزيمة الانصار ليعتادوا قسوة الجهاد. ارهابيو “داعش” مثلهم مثل جلادي الاسد يتلذذون بالتفنن في قتل العزل.
وقد وصل حديثاً الى واشنطن عرض فني تفاعلي بعنوان “الحدائق تحكي” انتجته اللبنانية تانيا الخوري وهو يروي التاريخ الشفوي لعشرة ناشطين قتلهم قناصة النظام ودفنوا في حدائق خاصة. عشرة قبور مع شواهدها وترابها. عليك ان تدخل الحديقة – المقبرة حافيا وان تنبش التراب وتضع خدك في الثرى لتسمع قصة حياة الشهيد ومقتله. هكذا تعرفت إلى حياة وأمال أحمد بوابة الذي قتله قناص وهو في الثانية والعشرين في حلب. “كتير موتي كان بيشبهني، موت عادي ما حدا عرف فيه ولا انتبهلو غير اللي كانوا بلحظتها واقفين جنبي”. ودعته قائلاً: يا أحمد محكوم علينا بالامل.