IMLebanon

مصير بريدنسيتروفييه…بوتين يبحث عن عرض عضلات جديد

قد تكون قصة «بريدينستروفييه» الإقليم الذي يطالب بالانفصال عن جمهورية مولدوفا، كقصة «الالزيس واللورين» قبيل الحرب العالمية الثانية. حينها طالب سكان الإقليمين بالانفصال، فبات معروفاً الى ماذا أفضت إليه هذه الطلبات الإنفصالية.

الأمر عينه بشأن بريدنستروفييه وغيرها من المقاطعات التي تطالب بالانفصال والإستقلال الذاتي، والتي رسم ستالين خريطتها بحنكة ودراية كي لا يتعرّض الاتحاد السوفياتي الى التفكك، وكي لا تندلع الحروب العرقية بين القوميات، فتأكل الأخضر واليابس على مساحة جغرافية تشغل سدس الكرة الأرضية. اللافت أنّ «ميخائيل بورلا» رئيس برلمان جمهورية «بريدنيستروفييه»، تقدّم بطلب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإنضمام إلى روسيا الإتحادية.

وتُعدّ جمهورية «بريدنيستروفييه» مُستقلة ذاتياً من جانب واحد، بعد أن كانت إقليماً تابعاً لشرق «مولدافيا» الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا، كما أنّها سبق وانفصلت عن الإتحاد السوفياتي، وذلك بعد فرط عقده. ويأتي طلب الانفصال هذا استناداً الى استفتاء حول تقرير المصير عام 2006 صوّت بنتيجته 97.2 في المئة من سكان الإقليم لمصلحة الإنضمام إلى روسيا.

ليست المطالبة بالانفصال أمراً مُنكراً في التاريخ، لكنّ توقيت الانفصال والتداعيات تكون أخطر من حيث النتائج. وإذا علمنا أنّه وبعد ان فقدت قضية القرم والدونباس وهجهما، وبعد أن انتفت الفائدة الإعلامية من التدخل في سوريا، بدأ الرئيس بوتين يبحث عما يشغل به الرأي العام المحلي، عبر السياسة القائمة على تحقيق الإنتصارات لعله يعوّض بعض ما راهن عليه في سوريا. فلم تؤتِ العملية ثمارها كما يروّج البعض لذلك، باعتبار أنّ التفاوض يتمّ حول أتفه القضايا مع الأميركيين والإسرائيليين والغرب في شأن سوريا وصولاً الى طرح الفدرلة.

وبذلك يدخل بعض العنفوان والشدّ من العصبية الوطنية للشعب الروسي وإيهامه بقدرة دولته وجبروتها وقوة شكيمة زعيمها، الذي أعاد لها قوتها وعظمتها، على رغم كل الأرقام الاقتصادية المخيفة والتراجع الحاصل على كل المستويات.

وجرياً على ما هو حاصل منذ أربع سنوات الى اليوم، يرى بعض المحللين أنّ الورقة السورية استهلكت قيمتها، والأوكرانية بعد اتفاقية مينسك تراجعت، والبحث جار عن بديل، ويعزّز هؤلاء تصوّراتهم بالقرائن التي تدلّ على أنّ الضربة المقبلة لبوتين في المدى الأبعد، إذا استمر التقهقر الغربي أمامه في دول البلطيق، على رغم أنّ ليتوانيا ولاتفيا واستونيا هي دول في حلف الناتو. لكنّ هذه الورقة الذهبية ستفتح بعد فقدان كل أمل بتحقيق تنازلات من الغرب في موضوع العقوبات والاستثمارات، ويقدمون تواريخاً أنّ الأمور قد تكون بعد سنتين ونيّف.

لكن ماذا عن اليوم؟

يؤكد هؤلاء أنّ التوجّه الأقرب والذي سيكون دون سابق إنذار هو نحو مولدوفا، ونحو إقليم بريدنيستروفييه، فالطبخة جاهزة والظروف الداخلية والخارجية جاهزة.

يشير المراقبون أنّ السيناريوهات متعددة وستظهر عند دنو هذه الساعة، ففي الحد الأقصى قد تستدعي العملية، وضع كل جمهورية مولدوفا تحت السيطرة، ولأجل ذلك بدأت الحرب الإعلامية تأخذ مداها، على شكل حرب هجينة تجمع بين الاعلامية منها وتفعيل دور الأحزاب الموالية لروسيا، بالتزامن مع نشاط محموم لقوى النفوذ الروسية التي بدأت تعمل بقوة هناك.

أمّا في الحد ألأدنى يمكن أن يصار الى ضم بريدنيستروفيه كما جرى في القرم أي (الاعتراف بهذه الدولة ومن ثم ضمها )، باعتبار أنّها ليست تحت سيطرة كيشينيوف، وتعتبرها روسيا القاعدة الأمامية للعالم الروسي الجديد.

ما هو واقع الحال هناك؟

لا شك أنّ الأمور أصبحت جاهزة للضم، فيما لو أرادت روسيا ذلك، يبقى التوقيت. لكن الواقع الإقتصادي للإقليم غير مبهر، فالناس يعيشون حالة من الفقر والعدم، والمؤشرات مخيفة لجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فكما هو الحال الذي كان سائداً في اوسيتيا الجنوبية، أي بطالة متفشية، وإفلاس في المؤسسات والمصانع الكبرى التي كانت مفخرة الاتحاد السوفياتي، اليوم وبفضل «حكمة الإنفصاليين»، نجد إنهيارا شاملاً ، واحتمال إعادة الحيوية للاقتصاد غير ممكنة دون الإستثمارات من الخارج، ويتم تقليص مداخيل السكان والمتقاعدين.

وللتخلص من هذا الواقع، يتطلع الناس للإنضمام الى «الأم العظيمة» روسيا لحل مشاكلهم، حينها ستتحوّل كل الأعباء الاقتصادية في الإقليم الى الموازنة الروسية، التي عجزت عن حل الكثير من القضايا العالقة في القرم.

ماذا في الداخل المولدوفي؟

لا شك أنّ الوضع داخل مولدوفا يشبه الى حد بعيد ذلك، الذي كان في كييف عشية اتخاذ بوتين قراره بضم القرم رغم فارق رئيسي، وهو ان تنظيم انقلاب في كيشينيوف العاصمة، يخلط الأوراق ويضع الجمهورية في الحضن الروسي، أمر لم يحصل حتى الآن، وله أسبابه.

فعلى الرغم من أنّ شوارع البلاد تمتلئ بالتظاهرات والاعتصامات ضد الحكومة والمدعومة من قوى مؤيدة للسياسة الروسية، كالحزب الإشتراكي الذي يحمل تسمية «حزبنا» وحركة «نعم «، وعلى الرغم من أنه تم خلع ثلاث حكومات في البلاد، وأنّ المعارضة قد نظمت صفوفها وتوحدت لتتظاهر موحدة، تحت شعار «ضرورة إجراء الإنتخابات المبكرة»، ذلك أنه وفق كل استطلاعات الرأي، فإن القوى الموالية لروسيا ستفوز في الغالبية الساحقة فيما لو جرت هذه الإنتخابات، رغم أن أنصار المعارضة هاجموا مبنى البرلمان في العاشر من كانون الثاني 2016، واستولوا على الطابق الثاني منه، وتمكنت الشرطة من ردعهم.

لكن السبب الأقوى لحال الفشل كما يؤشر الى ذلك المراقبون، هو وجود رئيس حكومة شاب وفاعل، وهو بيوتر فيليب الذي شرع بتطبيق برنامج إقتصادي لتحسين المعيشة، وعمد الى إجراءات شعبوية نالت رضى قطاعات واسعة، كتخفيض سعر المواد النفطية والغاز والكهرباء ورفع معاشات التقاعد. هذه الإجراءات التي حققت توازناً، وحفظت إستقراراً نسبياً في البلاد، لن تثني روسيا في نهاية المطاف عن البدء بتحقيق أهدافها.

أمّا أحد تجليات هذه السياسة الإحتوائية، فبرز في حفاوة الإستقبال الذي نظمته موسكو للمرشح الرئاسي والرئيس المحتمل لبريدنيستروفييه فاديم كراسنو.