ظنّ البعض ولوقت قصير أنّ الرئيس العتيد للجمهورية سيضيء شجرة الميلاد في القصر الجمهوري ولو متأخراً، فإذا بالاعتقاد يسود أنه قد يشرف على زينة الفصح المجيد إن أُنجز الإستحقاق قبله. فكلّ المواقف توحي أنّ التسوية دخلت نفقاً طويلاً وأنّ الحراك الباحث عن بصيص نور آخر النفق سيستمرّ في الوقت الضائع دون جدوى. كيف ولماذا؟
كلّ الأحلام التي بُنيت على أساس أنّ الشغور في قصر بعبدا اقترب من نهايته تبخّرت إثر سقوط آخر ضحاياه على مذبح الفشل في إتمام التسوية بكلّ مراحلها على ما يقول به الدستور لإنتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، وذلك قبل أن يعلن «بطل» التسوية النائب سليمان فرنجية ترشيحه الى رئاسة الجمهورية متسلِّحاً بتوافقات وتفاهمات ثنائية ناقصة ليس من السهل إستكمالها كلّ في بيته الداخلي لأسباب عدة أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:
– لم يظهر أنّ التسوية الداخلية كافية لإمرار الإستحقاق الرئاسي الى خواتيمه الطبيعية، وبالتالي فإنّ كلّ المواقف المعلنة لن تفتح الطريق الى ساحة النجمة ولن توفّر النصاب القانوني كاملاً لإتمامها وتظهيرها قبل سلوك الطريق الى قصر بعبدا.
– المواقف الإقليمية والدولية المتشنّجة التي قادت الى مزيد من التصعيد في مسار الأزمات كافة سواءٌ في سوريا أو اليمن أو في أية بقعة من العالم تعكس عمق التجاذبات القائمة بين محورَي الرياض وطهران.
ولعلّ من أبرز مظاهر التشنّج إستثناء كلّ من طهران وبغداد ودمشق من الحلف الإسلامي الذي أُعلن من الرياض ضدّ الإرهاب وهو حلف يعاني من تقاعس دول إسلامية كبرى ومهمة ما زالت تتردّد في الدخول فيه وهو موضوع يستأهل مقالاً آخر.
– التفكك الذي أصاب معسكرَي قطبَي التسوية الرئيس سعد الحريري من جهة والوزير سليمان فرنجية من جهة أخرى. وجاءت مواقف فرنجية أمس من حليفه العماد ميشال عون لتزيد الطين بلة رغم إطمئنانه الشخصي لمواقف «حزب الله» والتي لم يكن حاسماً في شأنها أبداً.
والوضع على جبهة 14 آذار ليس أفضل حالاً، وليس أدلّ على ذلك سوى ما شهده إجتماع أقطاب قوى 14 آذار ليل الثلثاء – الأربعاء الماضي في بيت الوسط من مناقشات حامية بين مسؤولي «المستقبل» من جهة، و«القوات اللبنانية» وممثلي أحزاب عدة في الأمانة لعامة لهذه القوى من جهة أخرى، ليتيقّن الجميع أنّ محاولات رأب الصدع بين أهل البيت ليست مهمة سهلة على الإطلاق إن لم تكن مستحيلة في ظلّ الواقع القائم الى اليوم.
– إصرار النائب فرنجية على ثوابته السياسية في مرحلةٍ ما زالت متفجّرة للغاية، وإصراره على الاحتفاظ بالخطّ السياسي الذي رسمه لنفسه منذ أن تعاطى السياسة، شكل دعوة الى معارضيه للإلتحاق بصفه، الأمر الذي يُعتبر مستحيلاً.
فليس هناك ما يوحي بأنه تقدّم باتجاه الفريق الآخر بخطوة ما كافية لملاقاته في منتصف الطريق، بدليل أنه لم يأتِ بجديد يتصل بحجم الضمانات التي يطالب بها بعض القادة المسيحيين لا بل فقد أوحى أنّ مثل هذه الضمانات لا تُطلب منه بقدر ما هي باتت من قواعد المواجهة الإقليمية والدولية القائمة في المنطقة.
– كان واضحاً جداً أنّ فرنجية يراهن على إجماعٍ مسيحيٍّ مفقود من حوله. فقد أكد بأنه كمرشح لن يخطو أية خطوة إضافية بعد الإعلان عن ترشيحه إلّا ورفاق صفه الى جانبه عدا عمّا يطالب به من توافق من مسيحيّي 14 آذار ولو لم ينتخبه البعض منهم. فهو يطمح الى مرحلة ما زالت بعيدة لممارسة الحكم بالتعاون معهم، علماً أنّ مثل هذه التمنّيات ما زالت في منزلة تقارب الأحلام.
ثمّة مَن رأى في شكل ومضمون الحلقة التلفزيونية التي خُصِّصت لفرنجية أوّل أمس نجاحاً له في كسب الكثير من عطف اللبنانيين بأكثريّتنهم وهناك مؤشرات كبيرة تؤكد ذلك.
فعفويّته وصراحته قادتا الى هذا الشعور الشعبي الذي مال لمصلحته، لكن على المستوى السياسي لم يرَ أحدٌ أنها ستغيّر شيئاً في المواقف المعلَنة من ترشيحه لا بل هناك مَن يرى أنها ستؤدّي الى خلخلة التفاهمات السابقة وتعيق طريقه الى بعبدا.
وثمَّة مَن يقول إنه هو مَن رسم بنفسه حجم العوائق التي عليه عبورها وحدّد الحواجز التي اصطدم بها الى اليوم والتي تحول بينه وكرسي الرئاسة، ولم يكن حاسماً في رسم خريطة الطريق المؤدِّية الى الخروج منها.
وإنّ حديثه عن كمّ الإلتزامات التي قدّمها وتعهّد بها لن يتمكن من الإيفاء بها من موقعه في قصر بعبدا. فالتركيبة الحكومية لم تعد «إزميلاً» في يد الرئيس كما يعتقد البعض وإنّ بعضاً منها قد يكون من الأفخاخ المنصوبة على الطريق الى قصر بعبدا.
وفي كلِّ حال فإنّ في ما ستكون عليه المواقف المرتقبة في أعقاب طروحات «حصان التسوية» يعطي الكثير من المؤشرات حول عناوين المرحلة المقبلة بسلبياتها وإيجابيتها. رغم أنّ هناك بعض الثوابت التي لا نقاش فيها ومنها أنّ بسترينة العيد ما زالت مُؤجَّلة ولربما تتزامن مع بيض عيد الفصح فلننتظر؟!