Site icon IMLebanon

موازنة 2017: ماذا بعد قرار «الدستوري»؟

 

بعد الزلزال الذي أحدثه قرار المجلس الدستوري بإبطال القانون 45 المُتعلق بالضرائب، يُطرح السؤال عن مُستقبل الموازنة في ظل القيود القانونية والمالية التي تُقلّل من هامش تحرّك السلطة السياسية؟

أهم ما في قرار المجلس الدستوري، الحيثيات التي رافقت القرار والتي أتت لتُنظّم العملي التشريعي المالي للدوّلة اللبنانية بعد أكثر من عقد من الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية.

وبالتالي، أصبحت الحكومة والمجلس النيابي مُلزمين بحكم القانون الإلتزام بالمبادئ الدستورية التي شدّد عليها قرار المجلس الدستوري:

أولًا: الإلتزام بنصّ المادّة 83 من الدستور والتي تنصّ على أنه في «كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة لنفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً».

ثانياً: الإلتزام بنصّ المادّة 87 من الدستور والتي تنصّ على أن «حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس النيابي ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة».

وهذا يعني أن نهج الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية أعتبره المجلس الدستوري «إنتهاكًا فاضحاً للدستور» وبالتالي يُلزم الحكومة تقديم قطع حساب للمجلس النيابي للتصويت عليه وبعدها التصويت على الموازنة.

مُشكلة قطع الحساب

من هذا المُنطلقّ يُطرح السؤال عن جهوزية الحكومة لتقديم قطع حساب عن الأعوام 2005 حتى 2016؟ وفي حال لم تكن جاهزة، ما هي الإحتمالات الواردة؟

من المعروف أن هناك إشكالية كبيرة حول موضوع قطع الحساب والذي يُعتبر السبب الأول لعدم إقرار موازنات منذ العام 2004. وبحسب الدستور، يُشكّل قطع الحساب أداة دستورية تسمح لمجلس النواب بالتأكد من أن الحكومة التزمت في العام المُنصرم بمُقررات مجلس النواب في ما يخص الإنفاق.

لكن قطع الحساب يشهد منذ العام 2006 تجاذبات سياسية فرضت إشتباكات سياسية وعطّلت المؤسسات الدستورية حيث أن القوى السياسية إستخدمت هذا المُستند المالي البحت كأداة لفرض تسويات وللأسف دفعت الموازنة الثمن الباهظ.

يُمكن القول اليوم أن قطع الحساب غير جاهز ولا يُمكن تقديمه لمجلس النواب للتصديق عليه قبل طرح مشروع الموازنة على التصويت. من هنا كان بعض الإقتراحات التي تُنادي بتعليق العمل بالمادّة 87 من الدستور لمرّة واحدة. هذا الأمر بالطبع غير مقبول ويطرح أسئلة عن مصداقية الدولة اللبنانية حول حساباتها المالية وإذا ما كان دينها العام الفعلي 77 مليار دولار كما تدّعي الأرقام الرسمية.

وهنا نرى أهمّية إظهار قطع الحساب كما هو، مع إظهار الإنفاق الذي لا يحوي إثباتات عن وجهة صرفه لكي يتمّ التأكد من حسابات الدوّلة وتكون موازنة العام 2017 دقيقة خصوصًا إلتزاماتها المالية تجاه الأطراف الدوّلية والداخلية من دون إدخال الحسابات السياسية في هذا العمل.

حصر التشريع الضريبي

من جهة أخرى شلّ قرار المجلس الدستوري عمل المجلس النيابي في ما يخصّ التشريع الضريبي وحصره في إطار الموازنة العامّة مع الحفاظ على بعض الإستثناءات. هذا الأمر يلجم شهية الحكومة في ما يخص الوظيفة المالية للضرائب ويُعيد تموضع السياسة الضريبية في إطار وظائفها الثلاث : المالية، الإقتصادية، والإجتماعية.

عجز الموازنة

إن مشروع الموازنة الذي رفعته الحكومة إلى المجلس النيابي في الفصل الأول من هذا العام لا يحوي على السلة الضريبية التي كانت موجودة في القانون 45 والذي أبطله المجلس الدستوري.

هذا المشروع يحوي على عجز يبلغ 4.8 مليار دولار أميركي وبالتالي فإن إلغاء القانون 45 لن يُغيّر في هذا العجز إلا بقيمة السلسلة البالغة 1.2 مليار دولار أميركي أي أن العجز سيُصبحّ 5.2 مليار دولار أميركي بعد ضم نفقات السلسلة إلى الموازنة على أربعة أشهر فقط.

الإجراءات المطلوبة

إن إقرار مشروع الموازنة من دون قطع الحساب ومن دون قيود، ستكون له تداعيات سلبية على تطبيق القوانين وعلى المالية العامّة. وبالتالي المطلوب التصديق على قطع الحساب كما هو وإظهار الأرقام التي لا تحوي إثباتات من ناحية وجهة إنفاقها لمعرفة إلتزامات الدوّلة الفعلية وهذا الأمر مالي بحتّ وليس له علاقة بالسياسة.

أيضًا، يتوجّب على القوى السياسية العمل على إصلاحات جذرية دون أن يكون هناك من مردود فوري لهذه الإصلاحات وعلى رأسها لجم الهدر ومحاربة الفساد والتخفيف من كتلة الأجور في القطاع العام عبر توظيف شخص واحد لكل شخصين يبلغان سنّ التقاعد.

أيضًا، من بين الإصلاحات المطلوبة أن تعمد الحكومة إلى تغيير هيكلية الإقتصاد عبر تقوية القطاعات الإنتاجية. هذا الأمر يجب أن يمرّ إلزاميًا عبر وضع لائحة بالسلع الأكثر إستيرادًا ودراسة جدوى تصنيعها في لبنان، وخلق المناخ المؤاتي لجذب الإستثمارات التي يجب أن ترتفع إلى 20% من الناتج المحلّي الإجمالي.

ماذا عن تمويل «السلسلة»؟

إن قرار المجلس الدستوري كان واضحًا من ناحية أنه لا يُمكن تخصيص إيرادات لإنفاق مُعين، بل على الدولة التأكد أن الإعتمادات المطلوبة مُتوفرّة قبل القيام بالإنفاق وبالتالي فإن إبطال القانون 45 قلّل من قيمة الواردات التي كانت مُتوقّعة والبالغة 1.2 مليار دولار أميركي. لكن هذا لا يؤثّر على قيمة العجز المذكور أعلاه (5.2 مليار دولار أميركي).

من هنا هناك ثلاثة إحتمالات أمام السلطة:

أولًا: إدخال السلّة الضريبية المنصوص عليها في القانون المُبطل 45 بإستثناء البندين المُتعلقين بالإزدواج الضريبي على المصارف (تقريبًا في حدود الـ 400 مليون دولار أميركي) والغرامات على الأملاك البحرية (بقيمة 100 مليون دولار أميركي).

ثانيًا: عدم إدخال السلة الضريبية وبالتالي تمويل العجز بالكامل من خلال الإستدانة أي أن الدين العام سيرتفع بقيمة 5.2 مليار دولار أميركي هذا العام. وهذا الأمر غير مُحبذّ من قبل المنظمات الدولية والتي تُهدّد بخفض تصنيف لبنان الإئتماني.

ثالثًا: إتباع النظرية الإقتصادية والتي تنصّ على فرض ضرائب على الموارد غير المُستخدمة وعلى رأسها الإملاك البحرية (بعد حلّ مُشكلة المخالفة الدستورية التي أظهرها المجلس الدستوري) والشقق الشاغرة، والودائع المصرفية التي تفوق عتبة مُعيّنة (بحيث لا تطال الطبقة الوسطى والفقيرة). وبإعتقادنا هذا الحلّ قادر على جلب ما لا يقلّ عن مليار إلى ملياري دولار أميركي.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن رمزية إقرار مشروع موازنة العام 2017 هي قصوى، لكن العمل الفعلي يجب أن يبدأ على مشروع موازنة العام 2018 حيث ستُشكّل موازنة العام 2017 قاعدة ثابتة وأكيدة للبدء بإصلاحات جذرية تسمح بالخروج من الأزمة الإقتصادية والمالية الحالية.