دعا رئيس مجلس النوّاب إلى جلسة تشريعية في 27 و28 من الشهر الجاري، لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لسنة 2020 بعد إنتهاء لجنة المال والموازنة النيابية من درس مشروع القانون.
من الثابت، أنّ مجلس النوّاب، الذي يتولّى السُلطة التشريعية (المادة /16/ من الدستور) مؤسسة دستورية مستمّرة ومستقرّة. أما الحكومة فهي في النظام البرلماني سُلطة غير مستقرّة، بمعنى أنّها لا تُعيَّن لمدّة محدّدة ومعروفة سَلَفًا، بل تظلّ قائمة ما دامت تتمتّع بثقة المجلس، أو لم يطرأ أي سبب من الأسباب التي تجعل الحكومة في حُكم المستقيلة، أو لم يُقرّر رئيسها تقديم إستقالتها (المادة /69/ من الدستور).
لذلك، لم يربط الدستور بين ممارسة مجلس النوّاب مهماته التشريعية، وما يطرأ على وضع الحكومات من متغيّرات تؤدّي إلى تقليص صلاحياتها، وحصر نشاطها بتصريف الأعمال.
فصلاحيات المجلس النيابي في التشريع مُطْلقة، ولا تتوقّف على مدى الصلاحيات التي تتمتّع بها الحكومة. ما يُفيد، أنّ الحالة الخاصة بالحكومة ليس من شأنها ان تشُّل عمل المجلس النيابي مُطْلَقًا.
ينعقد مجلس النوّاب، في عقدين عاديين، يكون فيها المجلس في كل صلاحياته التشريعية، مع ضرورة إقرار الموازنة قبل أي عمل آخر، في العقد الثاني (المادة /32/ من الدستور). كذلك ينعقد في عقود إستثنائية، حيث يُحدّد في مرسوم الدعوة، تاريخ إفتتاحها وإختتامها وجدول أعمالها (المادة /33/ من الدستور).
وأيضًا، ينعقد في دورات إستثنائية حُكْميّة، بموجب النصّ الدستوري، وليس بدعوة من رئيس الدولة، وبالتالي لا تحتاج الدورة إلى صدور أي مرسوم. أي أنّه لا دخل للسلطة التنفيذية لا بإنعقادها ولا بمُدّتها ولا ببرنامج عملها. ومن هذه الحالات والتي ينعقد المجلس النيابي حُكْمًا، ما نصّت عليه الفقرة الثالثة من أحكام المادة /69/ من الدستور:
«عند إستقالة الحكومة…. يُصْبِح مجلس النوّاب حُكمًا، في دورة إنعقاد إستثنائية، حتى تأليف حكومة جديدة ونَيْلِها الثِّقة».
وبالتدقيق في النّص، يتبيّن جليًّا، أنّ نصّ الفقرة المذكورة جاء مُطْلَقًا غير مُقيّد، ما يعني أنّ للمجلس النيابي أن يُمارس خلال هذه الدورة الحُكْميّة كل مهماته التشريعية من دون حَصْر، (لأن المُطْلَقْ يَجري على إطلاقه). ولو شاء المُشَرِّعْ أن يحّد من صلاحياته، لنّص على ذلك صراحةً، كما فَعَلَ في المواد /32/ و/75/ و/77/ و/84/ من الدستور.
ما يُفيد، أنّ لمجلس النوّاب في دورة الإنعقاد الإستثنائي صلاحيات مُطْلَقة في التشريع، من دون حصر أم تحفُّظ.
وبالتالي، نحن اليوم في ظلّ حكومة مُشكّلة، وعلى قاب قوسين أم أدنى من نَيْلِها الثقة من المجلس النيابي.
ما يُفيد، أنّ مجلس النوّاب راهنًا، هو في حالة إنعقاد إستثنائي (عملاً بأحكام الفقرة الثالثة من نصّ المادة /69/ من الدستور) حتى نَيْل الحكومة المُشكّلة الثّقة، ويملك حَقّ التشريع في كافة المواضيع والمجالات من دون إستثناء.
ولكن ماذا عن مشروع قانون الموازنة؟.
صحيح أنّ إقرار الموازنة العامة هو أولوية، ولكن إقرارها من دون مثول الحكومة المُشكّلة حديثًا، أو حضورها قبل نَيْلِها الثقة، سيولّد شوائب وإشكالات دستورية وقانونية.