Site icon IMLebanon

التشريع بعد فوات الأوان يُخسّر لبنان مليارات الدولارات

 

منح إقامة للأجانب مقابل التملّك” تعود من باب الحاجة إلى العملة الصعبة

لا تنحصر المشكلة في إعداد السياسات الاقتصادية العامة بطغيان الطابع المحاسبي الدفتري على الانمائي، إنما بتباطؤ سرعة النشاط الإدراكي. فالقوانين والتشريعات التي كانت “محرّمة” أيام الهدوء قبل سنوات، أصبحت في أيام الأزمة “حلالاً”. إلا انها مع الأسف فقدت جدواها، ولم تعد إلا “كليشه”؛ أقله للسنوات القليلة المقبلة.

 

المادة الخامسة والتسعون من مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2021، التي تنص على منح الاقامة لكل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية، تشكل المثال الصارخ على ان العبرة في التوقيت وليس في الاقرار. فالهدف من هذا التشريع المُعتمد في العديد من الدول، بأشكال مختلفة، منها مصر، اليونان، وقبرص.. هو جذب العملة الصعبة من غير المواطنين، وضخها في شرايين الاقتصاد. ولكن في الحالة اللبنانية فان المستثمرين الأجانب “محتارون” في كيفية تحصيل أموالهم والخروج من لبنان، فمن الذي سيتجرّأ على الدخول؟ كما أن منح الاقامة، لم يعد في ظل هذه الظروف “إغراء” يسيل لعاب الاجانب له. خاصة مع دعوات السفارات المتكررة لرعاياها للخروج من لبنان وعدم زيارته وتجنب مناطق معينة.

 

بعد فوات الأوان

 

قبل سنوات ضمن مشروع قانون الموازنة للعام 2018 وردت المادة (رقم 50) التي تنص على منح الاقامة مقابل شراء عقار، بضغط من جمعية المطورين العقاريين. وقتها “قامت الدنيا ولم تقعد”. وحمل “الإتحاد العمالي العام” لواء التصدي لهذه المادة وإسقاطها. وسوقت على ان الغاية منها هي توطين الفلسطينيين والسوريين وتغيير “وجه” لبنان الديموغرافي. “مع العلم ان القوانين اللبنانية واضحة لجهة منع الفلسطينيين من التملك، وحالة الأكثرية المطلقة من السوريين النازحين لا تسمح لهم بدفع مبالغ بمئات الوف الدولارات ثمناً لمسكن”، تقول نائبة رئيس جمعية مطوري العقار “ريدال” ميراي القراب. “وبالتالي صُوّر القانون على انه “فزاعة” وجرى إسقاطه. فخسر لبنان المستثمرين العرب والاجانب الذين كانت لهم مصلحة وقتها في لبنان. حتى ان الاغنياء السوريين توجهوا نحو قبرص واليونان. واليوم ومع رفض الجميع وضع ليرة في البلد، عادوا لتضمين هذا المادة في مشروع قانون الموازنة”.

 

المطورون ليسوا مستعجلين

 

لحصول الاجنبي على الاقامة، تشترط المادة 95، الّا يقل سعر الشقة القائمة ضمن محافظة بيروت عن 350 ألف دولار، و200 الف للوحدة السكنية القائمة في سائر المحافظات. وذلك “على أن يتم تسديد ثمن الوحدة السكنية بموجب تحويل مصرفي من أحد المصارف العاملة خارج لبنان إلى أحد المصارف العاملة في لبنان”. أي ما يعني إجبار الشاري بدفع دولارات “طازجة” fresh dollars. وهذا ما سيشكل عاملاً إضافياً غير مشجع على شراء الشقق. حيث انه قد يكون من مصلحة المودعين الاجانب، وهم كثر، شراء عقار بتحويل مصرفي داخلي أو عبر شيك مصرفي، لاخراج أموالهم المحتجزة في المصارف. “لكن في ظل تراجع الثقة بالنظام المصرفي فان قلة من المستثمرين ستتشجع على وضع أموالها من جديد في المصارف”، تعلق القراب. كما ان هناك مخاوف عند البائعين من المطورين الا تلتزم المصارف بتسديد كامل ثمن الشقة بالدولار النقدي، أو ان يقتطع البنك كامل المبلغ المحول بالدولار النقدي أو قسماً منه في حال كان المطور مديوناً للمصرف. مع العلم ان تعميم مصرف لبنان يجيز للشركات تسديد ديونها المصرفية بالحوالات او الشيكات، أي بـ”اللولار” على سعر صرف 3900 ليرة. وعليه فقد لا يكون لبعض المطورين مصلحة في بيع عقارات بواسطة المصارف. هذا وتعتبر القراب ان “قسماً كبيراً من المطورين سبق وسدد ديونه إلى المصارف في العام الماضي، ولم يعد مستعجلاً على بيع الباقي لديه من شقق ووحدات سكنية”. وبرأيها فان “إقرار هذه المادة قد يساهم بتشغيل نسبة محدودة من القطاع بسبب الظروف التي يمر بها البلد. حيث من المتوقع ان ينحصر المهتمون بالشراء في هذه الفترة بالاجانب الميسورين الذين تواجه بلادهم مشاكل كبيرة مثل الليبيين والعراقيين واليمنيين، طمعاً باقامة أفضل نسبياً”.

 

الديون سبق وسدّدت

 

استفادة القطاع العقاري من هذه المادة في حال إقرار الموازنة لن تكون كبيرة. إذ ان الازمة الاقتصادية شكلت متنفساً لقطاع العقارات وساعدته على تخطي الصعاب. فالمبيعات العقارية وصلت في العام الماضي إلى حوالى 15 مليار دولار، (سوليدير لوحدها باعت ما قيمته 400 مليون دولار)، وهذا ما سمح للقطاع الذي كان مديوناً بحسب القراب “بحوالى 18 إلى 19 ملياراً، تتوزع بين قروض سكنية وقروض مطورين، بان يُسدد جزءاً كبيراً من التزاماته، ويتنفس الصعداء بعد أكثر من 3 سنوات من المعاناة. فالمواطنون أصبحوا يسددون قروضهم بدفعات كاملة أو كبيرة، وتحديداً من يعمل منهم في الخارج. كذلك الامر بالنسبة إلى المطورين الذين زادت مبيعاتهم بشكل كبير جداً ما سمح لهم بتسكير قروضهم للمصارف”. لكن هذه الايجابية لا تصنف بحسب القراب “انتعاشاً، بل عنصراً داعماً لكي لا يقفل وينهار القطاع”. وبرأيها فانه “لو جرى إقرار هذه المادة في موازنة العام 2018 لكنا وفرنا على القطاع العقاري الكثير من المشاكل، وساهمنا في تدفق العملة الصعبة بكميات كبيرة إلى لبنان. أمّا اليوم فان اقرار هذه المادة من ضمن الموازنة قد يعطي دفعة بسيطة للقطاع، لكن لن يشكل فرقاً. خصوصاً بعد تخطي القطاع العقاري للازمة بسبب حجز الاموال في القطاع المصرفي”.

 

التأخر الدائم في فعل الصواب ينسحب أيضاً على قرض الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 165 مليون دولار والمخصص لقروض الاسكان لمحدودي الدخل. حيث جرت المماطلة باقراره في العام 2019 ولم يوضع قيد التنفيذ إلا نهاية العام الماضي، بعدما لم يعد محدودو الدخل قادرين على أخذ القروض لشراء الشقق” بحسب القراب. “وبالتالي فان الفائدة منه لم تعد كبيرة لا بالنسبة الى الشباب ولا بالنسبة إلى القطاع العقاري”.

 

انتفاء المصلحة الآنية من المادة 95 لا تعني أنها غير مهمة. فهي قد تساعد في حال بدء مسيرة الاصلاح وانتقال البلد إلى مرحلة التعافي بجذب استثمارات ورؤوس أموال، تساعد القطاع العقاري بشكل خاص والبلد بشكل عام في العودة إلى النمو والازدهار.