Site icon IMLebanon

موازنة 2021: المواطنون مسؤولون عن عجز الكهرباء

 

حمّلت “إنخفاض” التعرفة مسؤولية فشل القطاع وتغاضت عن سنوات من الهدر والسرقة والفساد

قد يكون لبنان “السلطة”، الدولة الوحيدة في العالم التي “تنفحط” بقيامها بأقل واجباتها، وتصوّره على انه إنجاز. فضمان تأمين ربع كمية الفيول حاجة كهرباء لبنان لمدة سنة، خبر إستأهل زفه من منبر قصر بعبدا، لتبشير المواطنين ان لبنان ليس ذاهباً إلى العتمة، أكثر مما كان عليه. وكأن مشكلة الكهرباء الوحيدة التي تهدد بالظلام هي نقص الفيول، وليس فوضى الخطط المترافقة مع النقص في الإنتاج، والهدر الفاضح في التوزيع.

 

الفيول على أهميته، يبقى أبسط مشاكل الكهرباء، إذا ما قارناه بما تضمنه مشروع قانون الموازنة 2021 بما خص القطاع. حيث ضمّت الموازنة بين موادها، بنداً يتعلق بتعديل التعرفة على استهلاك الكهرباء تدريجياً، وفق جدول يوحد التعرفة والتغذية بين المناطق. ومما يفهم من هذا القرار، هو ان تعديل التعرفة يعني زيادتها. ولكن المبهم والمثير للتساؤلات هو “النية” بتوحيد التغذية بين المناطق. ففي ظل عدم القدرة على زيادة الانتاج، لا يفسر هذا القرار إلا بحرمان المناطق التي كانت تتمتع بساعات تقنين قليلة كـ بيروت مثلاً (4 ساعات يومياً) من التغذية، مقابل تقليص ساعات التقنين في المناطق التي تشهد تقنيناً قاسياً، بمعدل ساعتين إضافيتين يومياً.

 

موازنة “مستنسخة”

 

تَظهر موازنة 2021 وكأنها مستنسخة عن موازنات السنوات السابقة. فلم تراعَ في إعدادها الأزمتان الاقتصادية والنقدية اللتان تشلّان البلد. ولم تؤخذ بالإعتبار المطالب الإصلاحية لمختلف الجهات الدولية التي تعتزم مساعدة لبنان. فتأرجحت بين حدود “إستدراج إنتباه واهتمام المجتمع الدولي، وتحديداً صندوق النقد، من خلال إضافة بعض الإجراءات التجميلية في ما يتعلق بالاصلاح في القطاع العام عموماً والكهرباء خصوصاً”، يقول معد الورقة الاقتصادية في الحزب التقدمي الاشتراكي المهندس محمد بصبوص. “فاستمرار تمويل الكهرباء من خارج الموازنة عبر مدها بسلفة خزينة بـ 1500 مليار ليرة، من دون تحديد سعر الصرف المعتمد يعتبر أمراً مبهماً. حيث ان هذا المبلغ على سعر صرف السوق الذي لا يتجاوز 170 مليون دولار، لا يؤمن شيئاً من متطلبات المؤسسة الكثيرة”.

 

المادة 92

 

كل هذا يبقى سهلاً أمام ما تضمنته المادة 92 من مشروع قانون الموازنة: تعديل تدريجي للتعرفة على استهلاك الكهرباء. حيث يتوجب “على الحكومة إتخاذ قرار في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الطاقة والمياه، يحدد تعديلاً تدريجياً للتعرفة على استهلاك الكهرباء وفق جدول يوحد التعرفة والتغذية بين المناطق، ويؤدي إلى توازن مالي تدريجي لمؤسسة كهرباء لبنان. على أن يلحظ المرسوم الإبقاء على تعرفة مخفّضة لذوي الاستهلاك المنخفض ولأهداف صناعية”. وهو ما يعني بحسب بصبوص “تبني الموازنة نفس النظريات السابقة “المضحكة، المبكية” لاصلاح القطاع. مع العلم ان مشكلة الكهرباء في لبنان ليست في التعرفة. وعملية زيادتها تدريجياً وربطها برفع التغذية، هي “بدعة”. إذ يستحيل زيادة التغذية بالتيار الكهربائي في ظل عدم تأمين الانتاج الكافي، وعدم معالجة مشكلة الهدرين التقني وغير التقني اللذين يتجاوزان الـ 40 في المئة في أحسن الافتراضات. إلا اللهم إذا كان المقصود بتعديل التغذية بين المناطق هو زيادة ساعات التقنين وتخفيض التغذية ومساواة المناطق بقلة الكهرباء، وليس مدها بساعات تغذية اضافية. إذ انه انطلاقاً من الواقع الموجود فمن المستحيل ان تعتبر أي عملية توزيع بين المناطق عادلة”.

 

التعمية بالتعرفة

 

بغض النظر عن كل هذه الاشكاليات غير المعالجة، فان النقطة الأخطر في ما يجري، هي: محاولة تحميل عجز قطاع الكهرباء إلى “انخفاض” التعرفة. و”هذا ما ينافي الحقيقة والمنطق”، يقول بصبوص. “إذ إن عنوان المشكل الأساسي في القطاع، الذي أقر به الجميع، هو ارتفاع نسبة الهدرين التقني وغير التقني المرتفعين جداً، واللذين قدّرناهما بأكثر من 50 في المئة. في حين ان البنك الدولي اعتبر ان هذه النسبة تزيد عن 40 في المئة. وحتى ان وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني المحسوبة على التيار اعترفت في خطة 2019 بان الهدرين يشكلان نحو 34 في المئة”. وبالتالي إن لم تكن هناك معالجة للهدر الذي يستنزف نصف الطاقة المنتجة، فان أي زيادة في التعرفة تعني “هدراً إضافياً”، بحسب بصبوص. و”محاولة لتحميل المواطنين أوزار الفساد في قطاع الكهرباء على مر السنوات، من خلال رفع الكلفة وزيادة الفواتير”. علماً انه “بات واضحاً للقاصي والداني، ان إصلاح هذا القطاع يبدأ الزامياً من خلال تطبيق الانظمة والقوانين الراعية له، ورفع القيد عن استقلالية مؤسسة كهرباء لبنان، وإخضاع صفقاتها لآليات المراقبة الجدية. هذا بالاضافة إلى العمل على ضبط الهدر التقني وغير التقني، مثلما أشار البنك الدولي في تقريره الأخير”. تبني النظريات السابقة

 

لا يؤمن الكهرباء

 

تبنّي الموازنة النظريات السابقة ما هو إلا محاولة للإلتفاف على الإصلاحات الحقيقية المطلوبة، والتي تبدأ في تخفيض الهدر وتأهيل المعامل والإستغناء عن الحلول الموقتة، المتمثلة بالبواخر لمصلحة الحلول المستدامة المتمثلة بالطاقة البديلة. وبالفعل فان دراسة شركة كهرباء فرنسا EDF الممولة من البنك الدولي، أوصت بشكل واضح بالعمل على تأمين أكثر من 35 في المئة من الانتاج في المراحل الاولى عبر مصادر الطاقة البديلة، مع تأهيل المعامل القائمة وتشغيلها على الغاز، بدلاً من الفيول والمازوت واستبعدت كلياً خيار إنشاء معمل في سلعاتا.

 

ما ورد في الموازنة لجهة زيادة التعرفة، يعتبر بحسب جميع المتابعين للملف أمراً غير مقبول. هدفه التنصل من المسؤوليات والتبرؤ من سياسات الاعوام الماضية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، على حساب قدرة المستهلكين الشرائية. فزيادة التعرفة في ظل استمرار التقنين، سيحرم المستهلكين من فرصة الإستغناء عن اشتراكات المولدات. الأمر الذي سيلزم المواطنين بدفع فاتورتين على اقل تعديل، من المتوقع ان ترتفعا باضطراد. وذلك لربطهما بتغير أسعار النفط عالمياً، والاتجاه نحو رفع الدعم على المشتقات النفطية.