IMLebanon

لا موازنة، لا استجرار، لا ناقورة ولا صندوق!

 

 

البلد يغلي بملفات واستحقاقات خطرة. ولكن، كل هذا الغبار سينجلي على اللاشيء. فالقرار الذي اتخذته القوى النافذة هو: كسب الوقت، لا أكثر ولا أقل. فأينما كان، هناك تنازلات مطلوبة منها، وهي ليست مستعدة لتقديمها، ولا تجد نفسها مضطرة إلى ذلك.

 

هناك 4 «لاءات» تخفيها المنظومة، وتتحكَّم بخياراتها في هذه المرحلة، وتتدرج كالآتي:
1- لا للموازنة. ففي أي شكل، لن تمرِّر قوى السلطة أرقام الزيادات الهستيرية في الرسوم، وتالياً الضرائب، فيما رواتب اللبنانيين لا تكفيهم لتغطية الحاجات الأساسية من غذاء ودواء وسكن ونقل وتعليم، وفيما ودائعهم تتوزَّع بين منهوب ومحجوز، ووفق تقارير المؤسسات الدولية، ارتفعت نسبة الذين هم تحت خطّ الفقر إلى الثلثين.

في هذه المناخات، هناك قرار اتخذته المنظومة بتأجيل إقرار الموازنة إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقرَّرة في أيار، لأنّها تدرك حجم النقمة الشعبية الذي ستتسبّب به. فهي لن تُقدِّم إلى خصومها وقوى المعارضة هديَّة مجانية تستغلها شعبياً إلى أقصى الحدود، وفي لحظة سياسية حسّاسة وتتعرَّض فيها لأقصى الضغوط، بدعمٍ إقليمي ودولي.

ولكن، من زاوية أخرى، المنظومة مضطرة إلى إقرار الموازنة لتحصل على المال الذي تحتاجه من صندوق النقد الدولي، ولكي يفتح لها الصندوق أبواب الدعم من الخارج. ولذلك، ستوحي بأنّها «على وشك» إنجاز الموازنة، أو هي ستقرّها في مجلس الوزراء وتترك مسألة الإقرار تشريعياً للمجلس النيابي المقبل. وستحاول إقناع الصندوق بأن يقدِّم المساعدة على هذا الأساس. وهنا تصبح الـ«لا» الثانية تلقائية.

2- لا اتفاق مع صندوق النقد الدولي في المدى المنظور. فالصندوق ليس «مكتب سمسرات» لبناني تمرُّ فيه الأمور «بالواسطة» وتطييب الخواطر، أو تُمارَس عليه «البَهْوَرات» لتمرير المعاملة. وعبقرية الفساد اللبناني استطاعت أن تخرق الكثير من مؤسسات التمويل الدولية بأشكال مختلفة، لكنها لم تصل إلى حدّ فرض الاتفاقات على صندوق النقد.

والدليل هو تقرير البنك الدولي الأخير الذي اتّهم أركان المنظومة بارتكاب الفساد علناً وبشكل متعمَّد ومخطَّط له، وكذلك تقرير وكالة التصنيف العالمية «موديز» الذي جدَّد للبنان موقعه المتدنّي عند المستوى «C». وحتى اليوم، لم يتّخذ الصندوق قراراً بالانطلاق في المفاوضات مع لبنان.

وبالتأكيد، لن يفعل الصندوق ذلك قبل أن «يُذوِّق» المنظومة «زوم الزيتون». والمنظومة، من جهتها، ستناور وتماطل ولا تريد تقديم أي تنازل في اتجاه الإصلاح، واختصاصُها هو تحديداً: رسوم وضرائب وألاعيب في سعر الصرف لتذويب فجوة الفساد. وهذا أمر يدركه الصندوق جيداً. ولذلك، الاتفاق معه مؤجَّل لشهور أخرى، على الأرجح.

3- لا اتفاق في الناقورة. ففي الأسابيع الأولى من العام 2022، أوحت المناخات بأنّ الوسيط الأميركي عاموس هوكستاين حصل من الجانب اللبناني على وعد بتسهيل التوصّل إلى مخارج معينة، وتحديداً إلى فكّ التشابك ما بين المسألة الجغرافية أي الحدود والمسألة الاقتصادية أي الغاز، بحيث يأخذ الأميركيون على عاتقهم إطلاق مسار الاستخراج من الآبار المختلف عليها، ولاحقاً يوزِّعون المردود بين لبنان وإسرائيل، وفقاً لاتفاقٍ على نِسب معينة.

لكن تأجيل زيارة الموفد الأميركي مراراً يعني أنّ الجانب اللبناني لم يوافق على الطرح الأميركي حتى الآن، على رغم استعجال الإسرائيليين إنجاز اتفاق مع لبنان يمنحهم هامش الانطلاق كمنصّة للطاقة بين مصر والأردن والخليج من جهة وأوروبا من جهة ثانية. ومردّ ذلك هو أنّ إيران لن تقدّم أي تنازل في لبنان، إلّا ضمن رؤيتها الشاملة للتسويات الإقليمية.

4- لا استجرار للغاز والكهرباء. فالضوء الأخضر الأميركي لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن مرتبط مباشرة باستراتيجية الطاقة التي يديرها الأميركيون في الشرق الأوسط، والتي تشكّل إسرائيل نواة لها.

فعندما أبدى الأميركيون مقداراً عالياً من الحماسة لإشراك لبنان في شبكة الربط الإقليمية، متجاوزين اعتبارات «قانون قيصر» على دمشق، كانوا يدفعونه إلى حضن منظومة الطاقة الإقليمية. وفي تقديرهم أنّ اتفاق تقاسُم الطاقة في الناقورة (بمعزل عن الاتفاق الحدودي) سيشكّل جزءاً من هذه الشراكة الإقليمية.

ويعتقد البعض، أنّ الأميركيين ربما يسهِّلون استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان، بمعزل عمّا إذا كان المتفاوضان سيتوصلان إلى اتفاق في الناقورة. بل إنّ هناك وجهة نظر تقول: على العكس، فلينزلق لبنان إلى شبكة الربط مع الأردن ومصر، برعاية أميركية، وهذا الأمر سيمنح الأميركيين رصيداً لإقناعه بالانخراط في اتفاق تقاسم الغاز مع إسرائيل.

ولذلك، ليس واضحاً إذا كان الأميركيون سيستخدمون ملف الاستجرار للضغط على لبنان، أو لترغيبه، أي إذا كانوا سيعطّلون خطوط الإمداد في محاولة لتمرير اتفاق التقاسم في الناقورة، أو أنّهم سيسهّلون المشروع لإغراء لبنان وجذبه إلى التسهيل في الناقورة.

لكن مشكلة لبنان في الاستجرار تتجاوز الاعتبارات السياسية. فهو لم يؤمّن كلفتها حتى الآن، ولم يتمكن من تحديد هذه الكلفة أساساً، وفق ما أظهرت النقاشات في الموازنة. وسلفة الخزينة التي طلبها وزير الطاقة، والتي قد لا تكفي لسدّ الثغرة في الكهرباء من الأردن، والغاز من مصر والفيول من العراق سوى أشهر قليلة، ليعود إلى طلب سلفة أخرى.

ويتردّد أنّ كلفة استجرار الطاقة من الأردن ومصر و«التفويل» من العراق ستفوق المليار دولار في العام 2022. وهذا أمرٌ يرجّح تعطيل عملية الاستجرار، خصوصاً أنّ أصواتاً كثيرة ارتفعت أخيراً لتسأل: إذا كنتم ستهدرون هذه المبالغ على الاستجرار، فلماذا لا تنشئون بها معملاً أو اثنين، يوفّران مردوداً أفضل، ثابتاً، وبأسعار أدنى للمستهلك؟

إذاً، لبنان مقبلٌ على مرحلة عنوانها كسب الوقت، وتتميَّز بالمماطلة والتأجيل في كل شيء. وهي ستطول إلى حزيران على الأقل… إذا جرت الانتخابات النيابية في موعدها.