لم يعدل مجلس الوزراء، أول من أمس، أرقام موازنة الجامعة اللبنانية للعام الدراسي 2021 – 2022 التي أتت هزيلة، ولا تلبي الحد الأدنى المطلوب لتشغيل الكليات والفروع. إدارة الجامعة طالبت بمضاعفتها لتسيير أمور الجامعة والعودة الحضورية، ورابطة الأساتذة هددت بالإقفال
ليس جديداً الإهمال المقصود تجاه الجامعة اللبنانية و«الهجمة» عليها في سياق سياسة تقشّفية غير مبررة في مثل هذا القطاع الحيوي. القحط المالي و«تقزيم» الموازنة لسنوات أطبق على أنفاس الجامعة وأجهز على كل تفصيل فيها. فبات طموح أهلها اليوم موازنة «الحدّ الأدنى» لتغطية المصاريف التشغيلية كنفقات المازوت والماء والكهرباء والأوراق والحبر، والتي يدفع معظمها بالدولار الفريش في كليات الجامعة وفروعها الموزّعة على أكثر من 50 موقعاً، ولم يعد من بينهم من يتحدث عن البنود الأكاديمية والبحثية المتصلة بالتجهيز والاستثمار وكل ما من شأنه تطوير أداء الجامعة.
الواضح أن الجامعة ليست في حسابات السلطة، ولا توجد إرادة سياسية لزيادة نفقاتها. ولم تكلف وزارة المال نفسها العمل على بنود الموازنة الجديدة للعام 2021 – 2022، فبقيت نسخة طبق الأصل عن موازنة العام 2019 – 2020، ولم تتحرك قيد أنملة: 365 مليار ليرة أو 18 مليون دولار لا أكثر ولا أقل، وكأن شيئاً لم يطرأ على سعر صرف الليرة وأسعار المحروقات والصيانة ومواد المختبرات والقرطاسية.
بحسب رئيس الجامعة بسام بدران، ترصد الموازنة 3 ملايين دولار للصيانة والمصاريف التشغيلية التي باتت تكلف 17 مليوناً، علماً أن الدولة لم ترصد في موازنة وزارة التربية، كما جرت العادة، 22 ملياراً لصيانة مجمعي الحدث والشمال، ورحّلت البند إلى موازنة العام 2023. وإذا كانت الـ22 مليار ليرة أو ما يوازي 14 مليون دولار وفق سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة مقابل الدولار) مرصودة لمجمعين فقط، فماذا عن بقية الكليات والفروع خارج هذين المجمعين، وماذا عن مازوت التدفئة في المناطق الجبلية؟ بدران أشار إلى أن الموازنة المطروحة لا تكفي لتشغيل الجامعة بمختلف كلياتها وفروعها «أكثر من شهرين إذا فتحت أبوابها للتعليم الحضوري»، مطالباً بـ«مضاعفتها بالحد الأدنى». علماً أن المختبرات التطبيقية في كلية العلوم بدأت أعمالها حضورياً وهي تستنزف الجامعة. وأشار إلى «أننا غير قادرين على صيانة المصاعد، والمعدات معطلة لعدم القدرة على دفع ثمن قطع الغيار كاش. أي جهاز يتوقف بمجرد أن يطرأ عطل عليه ويصبح تصليحه مستحيلاً». وخلص إلى أنه «ليس منطقياً أن نحول مجمع الحدث الجامعي الذي كلف نحو 500 مليون دولار إلى خردة بسبب توقف التشغيل والصيانة».
أما التذرع بالـ 40 مليون دولار التي توفرها للجامعة فحوصات الـ PCR، فيلفت بدران إلى أن هذا «مورد غير ثابت وغير مستدام، ويمكن أن يتوقف في أي لحظة، ويختلف عن المشاريع الإنتاجية الأخرى التي تبقى حلماً مثل إنشاء معمل أدوية أو مستشفى جامعي. وحتى ذلك الحين، على الدولة مسؤولية مساعدة الجامعة».
بدران: مجمع الحدث الذي كلف 500 مليون دولار يتحوّل إلى خردة بسبب تعطّل الصيانة
رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين، عامر حلواني، قال لـ«الأخبار» إن اعتصام الأساتذة (أول من أمس) هو الاعتصام «التحذيري الأخير قبل إقفال الجامعة وإعلان الإضراب العام فيها»، لافتاً إلى أن أرقام الموازنة لم تتغير منذ عام 2019، رغم أنها فقدت أكثر من 85 في المئة من قيمتها المحدودة أساساً. ووصف موازنة الجامعة بأنها «مؤشر خطير على نية السلطة خنق الجامعة وإعدامها واستنزاف أساتذتها وموظفيها ودفعهم إلى الهجرة. هذه الموازنة المجحفة ستحدّ من فعالية الجامعة ومن قدرتها على تأمين التعليم الجيد». وسأل: «كيف لموازنة هزيلة أن تكفي لتشغيل جامعة تضم أكثر من 86 ألف طالب و5320 أستاذاً و2200 موظف؟ وكيف لها أن تؤمن دفع المساعدة الاجتماعية للأساتذة والموظفين الذين تآكلت رواتبهم بنسبة 90 في المئة؟». ولفت إلى أن موازنة صندوق تعاضد الأساتذة (منفصلة عن موازنة الجامعة باعتبار الصندوق مؤسسة عامة مستقلة) الذي يشكل الضمان الصحي والاجتماعي كانت جاذباً لنخب الأساتذة لاختيار الجامعة كمؤسسة لائقة للتفرغ فيها، «وأصبحت اليوم لا تسدد أكثر من 10 في المئة من فاتورة الاستشفاء والطبابة والأدوية».
محسن جابر، الأستاذ المتقاعد والمشارك في إعداد موازنات الجامعة لغاية العام 2020 – 2021، أكد أنّ الأرقام التي وضعتها وزارة المال تنطوي على خلل كبير لجهة تقدير قيمة المصاريف التشغيلية في ظل الغلاء والتدهور الاقتصادي الحاصل. «وإذا كانت الرواتب والأجور لم تتغير وهي تمثل من 85 إلى 90 في المئة من الموازنة، فإن النسبة التي تمثلها هذه المصاريف هي بين 10 و15 في المئة وتوازي عادة 50 أو 60 مليار ليرة، ويجب المطالبة بضرب هذه النسبة بـ 8 مرات بالحد الأدنى». وسأل: «هل ستحتسب ضمن الموازنة المبالغ الإضافية مثل الدرجات التي استحقت لأفراد الهيئة التعليمية من المتقاعدين في الملاك التعليمي للجامعة، وماذا عن المساعدات الاجتماعية للأساتذة والموظفين؟».