Site icon IMLebanon

ماذا بعد مواجهة حزب الله على ساحة المال والشراكة؟!

 

عند تقاطع الأونيسكو مَن ينتظر الموازنة

 

ما جرى في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي انعقدت في بعبدا، لإقرار موازنة العام 2022، الخميس الماضي 10 شباط الجاري، برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة والوزراء، بصرف النظر عن ارقامها، والملابسات المحيطة بالعلاقة مع خطة التعافي الاقتصادي، التي لا اتفاق حولها بعد بين الحكومة والمصارف، وحتى الهيئات الاقتصادية، ناهيك عن صندوق النقد الدولي ومؤسساته، والبنك الدولي ورقابته، سجلت سابقة في أداء «الستسام» الناظم لحياة اللبنانيين، سواء في ما خص الآليات الماضية، أو الآليات ذات الصلة بإقرار مشاريع البلاد والعباد، أو الجهاز التنفيذي والآليات التي تسمى بعرف «جماعة النظام» القانونية والدستورية.

 

ما السابقة، التي سجلت  في مجرى عملية متسارعة بين ضغوطات من كل الجهات، على أرض واقع رخو ومتأزم، يطال كل مناحي الحياة، وسط سلطة إجرائية، سمتها العامة الانقسام، وسلطة تشريعية، سمتها العامة «ربط النزاعات» والإنتظار عند مفترق الطرق.. وهذا ما صرحه رئيس مجلس النواب، وهو يوزّع امتعاضاته، واستياءه البالغ مما سمَّاه «تهريبة» الموازنة، بالموازاة مع تهريبة التعيينات العسكرية، ما خلا تعيين المنصب الشيعي الأبرز في جهاز أمن الدولة، وهو نائب مدير الجهاز، والذي فوجئ ممثلو الشيعة في «الستسام اللبناني» الإداري للدولة: حركة «أمل» و«حزب الله» بالقفز فوق تعيينه، و«استطواء» حيط الوزراء الشيعة الخمسة، واعتبارهم وكأنهم حرفاً منسياً، وإن هم يرفضون هذا الفهم، أو أن كلا رئيسي الجمهورية والحكومة، ليسا في هذا الوارد..

 

تعلمَّ «الوزراء الشيعة» مع قياداتهم، التي تتصرف بانفعالية، بالغة الإساءة لموقعها، فضلاً عن النتائج الكارثية التي آلت إليها هذه الانفعالية، أن أي تفاهم بين مكوّنات أخرى في السلطة، أو بعبارة أشد صراحة أن اتفاق رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة، ساحة تأثيره المباشرة، هي إضعاف الدور أو النفوذ الشيعي داخل السلطة الإجرائية، ما خلا التجربة الحديثة، سواء على صعيد الأب المؤسس، لهذه التجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي تحل اليوم الذكرى الـ17 لاغتياله، أو «الوريث السياسي» الشرعي لها الرئيس سعد الحريري، الذي أدمته التجربة السياسية، على مستوياتها كافة، فخرج منها مدمى، لدرجة أنه خرج، ببيان رسمي من الحياة السياسية، أو المشاركة في الانتخابات النيابية، التي تصرُّ السلطة على اجرائها في موعدها المعلن في 15 أيّار المقبل، أي بعد ثلاثة أشهر بالتمام والكمال.. على أن يعلن موقفاً اضافياً اليوم، كأن يدعو مع غيره من رؤساء الحكومات السابقين بعد لقاء «النادي» اليوم، بعد قراءة الفاتحة، عن روح الرئيس الشهيد ورفاقه الذين سقطوا معه في 14 شباط 2005، بعد مشاركته في جلسة لمجلس النواب حول قانون الانتخاب.

 

خسر نبيه برّي رئيس حركة «أمل» والشريك التنفيذي، مع «الحريرية السياسية» منذ ما بعد انتخابات العام 1992، حيث ارتقى إلى رئاسة المجلس النيابي، مع وصول الشهيد رفيق الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء، في ديمومة سلطة، يستمر الأوّل فيها، في حين انها تقطعت مرات عدّة مع الثنائي، لحين سقوطه شهيداً قبل 17 عاما… خسر بابتعاد سعد الحريري عن اللعبة المباشرة حليفا وثيقاً، تعمدت علاقته به، بالممارسة وإدارة الدولة، لدرجة ان البعض ربط بين ما يسميه «المنظومة الفاسدة» او «المنظومة» بلا تفصيل بعضد الشراكة الكاملة.. (ولكاتب المقال لا شأن بذلك لا من قريب ولا من بعيد، لا توصيفا، ولا اتفاقا أو حتى اختلافاً).

 

كما ان حزب الله هو الآخر، سجَّل خسارته، لا يختلف اثنان على حجمها، وانعكاساتها..

 

مع تبدُّل «احجار الدومينو» في لعبة تجمع بين «توثبات الاسد» للانقضاض على الفريسة، وحسابات الصراع في الإقليم، وداخل البلد المنهك، صارت «الثنائية الشيعية» أكثر انتباها لما يحاك ضدها، في غمرة أزمة حياة في بلد منهك، وأزمة ثقة بين أطراف أساسيين في الإقليم، وصراعات دولية، وصلت إلى حدّ التلويح بـ«حرب عالمية» ثالثة من بوابة الصراع الروسي- الأميركي على أوكرانيا.. الغنية بالثروات، والتأثيرات على تنازع المصالح بين الجبابرة والاتحاد الأوروبي،امتداداً إلى النمر الصيني في آسيا.

 

في لعبة مثل هذه، وجدت «المجموعة الشيعية» نفسها، وكأنها «هدفاً»، لمآل التغيرات في السلطة والتركيبة، والدور الإقليمي العسكري لحزب الله.

 

هنا، دخلت الولايات المتحدة بقوة على خط الوضع في لبنان، من زاوية احتجاز حصة على الأرض، والاكتفاء بدور فرنسي مراقب، أو دور «الدبلوماسي الناعم» أو ساعي البريد..

 

يتهم «الثنائي»، لا سيما «حزب الله» الولايات المتحدة الأميركية بإدارة حرب ناعمة ضده على كل المستويات في لبنان، على ان تكون الانتخابات النيابية المقبلة الحد الفاصل بين مرحلتين، وإذا لم يكن الوضع على هذا النحو، فإن الانتقال إلى «القوة العسكرية» يصبح خياراً ضرورياً، وجدياً لقلب موازين القوى، ودفع الفريق الذي يُطلق على نفسه السيادي إلى الاستعداد للاستفادة من النتائج العسكرية لأي حرب مقبلة..

 

بدت خطوة الحكومة بإقرار مشروع الموازنة التي أقرها أحد وزراء الثنائي، لإعادة العمل بموجب أرقام وحسابات جديدة، على النحو الذي حصل، في جلسة الخميس، تنوع من «جسّ النبض» في ظل مأزق الخيارات الشيعية، بعد العودة عن مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، من دون تحقيق أي شرط من شروط المقاطعة أو تعليق الجلسات، أو بالأحرى من دون تقديم أي تعهد أو «compomis» من قبل الرئيس نجيب ميقاتي، الذي أعلن مراراً وتكراراً بأن العودة تمت من دون أي صفقة أو اتفاق.

 

دقّ الفريق الشيعي على الطاولة، بخفة في الجلسة، ضمن أسئلة مشروعة من الوزراء، الذين لديهم توصيات بعدم دفع الأمور إلى التفجير، أو إلى تجديد الاشتباك داخل مجلس الوزراء، سواء عقد في السراي الكبير إلى داخل قاعة من قاعات مجلس الوزراء في بعبدا..

 

لكن المشهد تبدل تماماً في اليوم التالي: قرّر «الثنائي» دق النفير.. فبعد ان طلب من الوزراء ليلاً، الانسحاب إلى ما وراء الستارة السوداء، عاد نهاراً، وطالبهم بالخروج إلى المعسكر، والبوح، صراحة بما حصل، وإطلاق النار السياسية على ميقاتي، في الإعلام وحتى في الشارع، من دون الذهاب بعيداً إلى حدّ الاطاحة بالحكومة، أو الاستقالة منها..

 

قد يقبل «الثنائي» في هذه المرحلة بضربات متعادلة في الملعب مع الجانب الأميركي، الذي تلعب السفيرة ذات «الارادة الفولاذية» دورثي شيا، دور حارس المرمى أو اللاعب رقم واحد، أو كلا الدورين معاً.. لكنه، بالطبع لن يقبل بأن يمضي «الفريق الحاكم» سواء أكان متفاهماً تماماً أم متفقاً على القطعة، بتسديد ضربات إليه، حقيقية إليه، واستضعافه إلى درجة إبعاده عن موقع التأثير داخل السلطة الاجرائية، تحت عنوان الحق بممارسة الصلاحيات الدستورية أو الميثاقية..

 

عند حدود المواجهة هذه، لا مشكلة لدى حزب الله في فتح النار على الرئيس ميقاتي، والوقوف عند خاطر الرئيس ميشال عون، وهو يمضي إلى نهاية عهده، بخطى مربكة، للتاريخ ان يحكم على تجربته رئيساً، وإن كان كثيرون، من طوائف غير مسيحية، ربما حسبوا ان فترة حكم جديدة، ستخفف على الأقل من معاناتهم، إن لم تضعهم على سكة الحلّ الداخلي، وإن كان البعض خرج من التجربة مع «الفريق العوني» على طريقة يلي «جرَّب المجرَّب كان عقلو مخرَّب».

 

يتكفل الرئيس نبيه برّي «بالفريق الآخر»، ليس على طريقة توزيع الأدوار وحسب، بل أيضاً على طريقة حفظ ماء الوجه، لأن حزب الله، الذي استخلص ما يكفي من عبر التحالفات والتجاذبات اللبنانية، لم يقترب إلى درجة المسّ باستراتيجية خياراته، وأبرزها: الوحدة الشيعية، من لبنان إلى إيران، مروراً بسوريا والعراق ودول المحور.. أو «محور الممانعة».

 

المعلومات والمؤشرات، لا تتحدث عن انثلام الوضع، لكنها في الوقت نفسه، تتحدث عن مرحلة من «انعدام الثقة» أو رجرجة في انعدام الوزن، في مسيرة خيارات بالغة التعقيد، ليس أقلها الترتيبات الأميركية لإعادة استعادة النفوذ على مستوى الشركات والأمن والعمليات الحربية في عموم الشرق الأوسط بعربه، وعبرييه، وفرسه وأتراكه.

 

عند «تقاطع الأونيسكو» ينتظر برّي خصومه، معرباً عن همَّة المواجه، وكأنه في الأربعينيات من عمره، عندما قيَّض له أو قدر له أن يتولى مع وليد جنبلاط تشكيل جبهة الخلاص الوطني، وترتيب انتفاضة 6 شباط، والاطاحة بترتيبات اتفاق 17 أيار 1983.

 

لكن المواجهة حصراً، ستكون عبر المؤسسات المنهكة، حيث هناك التسويات ممكنة، وحيث هناك «العنتريات» بسيطة، تحسباً لمواجهات من نوع آخر، قد يكون أخطرها، مغامرة اسرائيلية – أميركية جديدة ضد حزب الله!