Site icon IMLebanon

لجنة المال تبدأ مناقشة المشروع: موازنة (لا) تميّز بين الغني والفقير

 

بدأت لجنة المال والموازنة النيابية، أمس، مناقشة مشروع قانون موازنة عام 2022 بعد إحالته من مجلس الوزراء. الجلسة الأولى خصّصت للاستماع إلى شرح من وزير المالية يوسف خليل للسياسة المالية للحكومة التي ترجمت في الموازنة، على أن تناقش البنود والأرقام تفصيلياً في جلسات لاحقة. وقد اقتصر كلام خليل على الخطوط العريضة للمشروع، أو ما يسمى «الفذلكة»، واصفاً الموازنة بـ«الطارئة والانتقالية» وأنها تميّز بين «الفقير والغني».

 

غير أنه، على ما يبدو، فإن وزير المالية كان يقرأ في صفحات أخرى لا في موازنة 2022 التي لُغّمت بضرائب ورسوم غير مباشرة على كل المقيمين في لبنان، فقراء وأغنياء، في ظل انهيار اقتصادي تامّ لم يتخلله تصحيح أجور أو أي إصلاحات مالية واقتصادية، فالإيرادات المقدرة وفق مشروع القانون بنحو 47 ألف مليار ليرة، ستُنهب من جيوب اللبنانيين الفارغة. والأنكى من ذلك، أن الضريبة ستطبّق على أساس سعر الدولار المحدد وفقاً لمنصّة «صيرفة»، فيما لا يزال موظفو القطاع العام يتقاضون رواتبهم بالليرة، ويحصل المودعون على فتات ودائعهم على أساس سعر 8 آلاف ليرة للدولار.

أثناء النقاش، لفت رئيس اللجنة إبراهيم كنعان إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يقدّم أي دراسة رداً على طلبات اللجنة المتعلقة بتوحيد سعر الصرف. لذا، لا يجوز رفع الدولار الضريبي والجمركي في ظل هذه العشوائية، مشدداً على أهمية أن تتضمن الموازنة خطة مدروسة وإعادة هيكلة للقطاع العام وللمصارف.

كذلك ورد في مشروع القانون المعدل نقل الصلاحيات الاستثنائية التشريعية لمعالجة قضايا ضريبية ونقدية ومصرفية تعود فيها الصلاحية لمجلس النواب، من يد وزير المالية إلى يد الحكومة. وهو ما رفضه رئيس اللجنة باعتبار أنه انتقاص من صلاحيات مجلس النواب، ويمنح صلاحيات تشريعية للحكومة لتنسج قوانين ضريبية على هواها بعيداً من أي رقابة. وقدم النواب الحاضرون رؤية متجانسة حول المشروع رافضين زيادة الضرائب والموازنة بصيغتها الحالية. فوصف النائب جميل السيد الموازنة بـ«المطروءة» وليس الطارئة، وبأنها «لا تمت إلى الانتقالية بصلة، بدليل أن لا زمن محدداً لها». كما عارض وصفها بـ«الإصلاحية» سائلاً: «من سيعمل عليها ومن سيطبّقها أو يراقبها؟». ولفت إلى أن إيرادات موازنة عام 2021 بلغت 11.5 مليار دولار مقابل 2.4 مليار دولار للموازنة الحالية، ما يعني أنه يمكن للبنك المركزي تمويلها من الاحتياطات بالعملة الأجنبية بعدما سدّد المواطنون فرق سعر الصرف والخسائر».

 

تعديلات ضريبية يتصرّف واضعوها وكأن الليرة ما زالت «بخير»

 

 

وجلّ ما ورد في المشروع هو مجموعة تعديلات ضريبية لا تراعي أحوال الناس، ولا تتماشى مع الظروف الاقتصادية والمالية التي يرزح تحت وطأتها البلد منذ أكثر من عامين، بل يتصرّف واضعوها وكأن الليرة ما زالت «بخير» و«البلد ماشي»، إذ إنها تضمنت على سبيل المثال:

– رفع قيمة رسم الطابع المالي على جميع المعاملات بما يقارب خمس مرات أحياناً.

– رفع الرسوم التي تستوفيها وزارة العمل بما يتراوح بين 330% و1333%.

– استحداث رسوم لقاء خدمات تقدمها وزارة الشباب والرياضة.

– استحداث رسم مقطوع لصالح صندوق تعاضد القضاة.

– استحداث رسم خدمات سريعة وطارئة لدى الإدارات العامة، أي تشريع الرشى التي سبق لوزير العمل السابق سجعان قزي أن ابتدعها في وزارة العمل.

– إعفاء الدولة والمؤسّسات العامة من رسوم بلدية، ما يعني أن التنمية المحلية سيجري تمويلها من الرسوم التي يدفعها عموم السكان.

– مضاعفة رسوم جوازات السفر وإلغاء جوازات السفر لمدة سنة وثلاث سنوات.

– فرض رسوم خروج على المسافرين بالدولار الأميركي.

– إضافة علاوة بنسبة 5% على ضريبة الدخل وضريبة الأملاك المبنية (لم تستثنَ الرواتب والأجور منها).

– رسم 3% على المستوردات وتمديده من 3 إلى 10 سنوات.

– تعديل رسوم الفراغ العقاري، لتصبح القيمة التأجيرية مضاعفة 40 مرة.

 

انكماش اقتصادي بنسبة 90%

عام 2019، بلغ الناتج المحلي 80.736 مليار ليرة أي ما يعادل 51 مليار دولار على أساس سعر الصرف المعتمد من الدولة اللبنانية، فيما ارتفعت تقديرات الناتج لعام 2022 إلى 440.255 مليار ليرة، أي ما يعادل 22 مليار دولار على أساس سعر صرف يوازي 20 ألف ليرة للدولار، ما يعني ارتقاب انكماش اقتصادي بنسبة 90% مقابل نمو مرتقب بنسبة 3% (مشكوك في تحقّقه). كذلك ارتفع معدّل التضخم من 3.2% عام 2019 إلى 178% عام 2021، من دون وضع أي تقديرات بعد لعام 2022. وفيما يعاني ميزان المدفوعات أصلاً من عجز كبير بلغ 1.8 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، فإن العجز الأكبر، هو في الميزان التجاري (الفرق بين الصادرات والواردات) الذي وصل إلى أكثر من ملياري دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021.

 

بين موازنتين

المقارنة بين مشروع موازنة عام 2021 الذي لم يٌقدّم إلى مجلس النواب ومشروع موازنة عام 2022 يظهر ما يأتي:

– ارتفعت خدمة الدين العام من 3106 مليارات ليرة إلى 7617 مليار ليرة، بزيادة 4511 مليار ليرة.

– ارتفع العجز الناتج من الفرق بين الواردات والنفقات من 4687 مليار ليرة إلى 10263 مليار ليرة، بزيادة 5576 مليار ليرة.

– ارتفعت المعاشات التقاعديّة وتعويضات الصرف من الخدمة من 3420 مليار ليرة إلى 3620 مليار ليرة، بزيادة 200 مليار ليرة.

– ارتفعت الاعتمادات المخصّصة للإنفاق الاستثماريّ من 735 مليار ليرة إلى 2213 مليار ليرة، بزيادة 1478 مليار ليرة. لكنها في الواقع انخفضت من 490 مليون دولار إلى نحو 111 مليوناً. وهو ما يؤشّر إلى انكماش اقتصادي أكبر سيقود إلى تدنّي واردات الدولة الذاتية وتقلّيص فرص العمل.

– ارتفعت سلفة الخزينة المُقرَّر إعطاؤها إلى مؤسّسة كهرباء لبنان من 1500 مليار ليرة إلى 5250 مليار ليرة، يضاف إليها مبلغ احتياطي مماثل ارتقاباً لارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المحروقات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قيمة السلفة انخفضت فعلياً من مليار دولار إلى ما يعادل 262.5 مليون دولار، أو إلى 525 مليون دولار في حال استخدام المبلغ الاحتياطي.

– تشير وزارة المالية في فذلكة مشروع موازنة عام 2022 (الصفحة 9) إلى أنها اعتمدت سعر صرف واقعياً في تقدير أرقام مشروع الموازنة، إلا أن تقرير رئيس لجنة المال يشير إلى العكس، فلو صحّ ما زعمته وزارة المالية لما تدنت أرقام النفقات عن 100 ألف مليار ليرة.