IMLebanon

موازنة “الأعمال المعتادة” تقتطع من الإقتصاد الشرعي لتمويل أزلام السياسيين في الإدارات

 

تخصص 96 في المئة للنفقات التشغيلية و4 في المئة فقط للإستثمارية وتترك 14 مادة معلّقة

 

 

تحطّ اليوم موازنة 2022 في القاعة العامة لمجلس النواب، متأخرة تسعة أشهر عن أقصى موعد طبيعي لإقرارها. هذه الموازنة التي يفترض بها أن تمثل خطة الدولة المالية للسنة الحالية انطلاقاً من تقدير واقعي للنفقات والايرادات، تأتي بعد مشارفة العام الحالي على الانتهاء. موازنة لم يعد لها أي أهمية بعد التراجع الهائل في مداخيل الدولة نتيجة الاضراب العام، والتفلت الضريبي والجمركي، والتراجع الاقتصادي من جهة، والتوسع الفاضح في الانفاق التشغيلي من جهة ثانية.

 

بحسب الدستور، وتحديداً المادة 83 منه، كان يفترض بالحكومة إرسال مشروع قانون موازنة 2022 إلى البرلمان مع بدء العقد العادي لمجلس النواب في منتصف تشرين الاول من العام 2021. وعلى الاخير، أن يقرها في مهلة حدها الاقصى 31 كانون الاول 2021. وهذا ما لم يحصل. فالحكومة تأخرت بارسال مشروع القانون إلى منتصف شهر شباط، فيما تعذّر على لجنة المال والموازنة، رفعها إلى الهيئة العامة سريعاً بسبب ما تضمنته ايراداتها من أرقام غير واقعية، أفضت لاعتبارها «وهمية، لا تنسجم مع الواقع الاقتصادي وقدرات المواطنين»، على لسان رئيس «اللجنة» إبراهيم كنعان.

 

نفقات خيالية

 

أعدت الحكومة الموازنة على أساس إمكانية تحصيل 39109 مليارات ليرة، وإنفاق 47329 ملياراً، أي بعجز يقدر بـ 17.4 في المئة. ومع توجه معظم الكتل لرفض اعتماد سعر صرف 20 ألف ليرة لاحتساب الضرائب والرسوم الذي بنت عليه الحكومة «أحلامها الوردية»، فان الايرادات تتراجع إلى أقل من 27 ألف مليار ليرة، والعجز يتجاوز 44 في المئة. وذلك مقابل عجز واضح عن تخفيض الانفاق. حيث أن بند الرواتب والاجور وحده قد يمتص نحو 25 ألف مليار ليرة من النفقات، إن لم يكن أكثر. من دون التطرق إلى الكهرباء وخدمة الدين بالليرة، وبقية المصارف التشغيلية والاستثمارية.

 

موازنة دفترية

 

على الرغم من كل المناقشات التي تطلّبها مشروع الموازنة على مدى 22 جلسة في لجنة المال والموازنة ما زلنا أمام موازنة «الأعمال المعتادة» Business as usual، برأي عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب د. رازي الحاج. فـ»الموازنة تقليدية، ولم تأت من ضمن خطة متكاملة تلبي الشروط الاصلاحية، وتعيد وضع الاقتصاد على سكة النهوض والتعافي. وهي لا تختلف عن سابقاتها من الموازنات، التي كانت سبباً رئيسياً في الانهيار». وبحسب الحاج فانه إلى جانب الاخطاء في السياسات النقدية، فان «السياسات المالية التي قامت خلال الأعوام الماضية على موازنات بعجوزات كبيرة ودائمة، جرى تمويلها من الدين العام، كانت سبباً رئيسياً في ايصال البلد إلى هذا الدرك من الانهيار».

 

إشكاليات الموازنة

 

على الرغم من الخلاف المستحكم حول مختلف الملفات الاقتصادية، يتفق الجميع سراً أو علناً على أربعة أمور أساسية:

 

الاول، أن موازنة 2022 أصبحت لزوم ما لا يلزم وهي تأتي بعد «يلّي ضرب ضرب ويلّي هرب هرب»، على حد القول الشعبي المأثور.

 

الثاني، أنها موازنة دفترية محاسبية لا تتضمن أي رؤية إقتصادية.

 

الثالث، لا تتضمن أي وضوح لجهة سعر الصرف. إذ من غير المعروف لغاية اللحظة سعر الصرف الذي سيعتمد لتحصيل الضرائب والرسوم، ومنها الدولار الجمركي. وهي ترمي المسؤولية على الهيئة العامة التي لا تمتلك الأدوات التقنية المطلوبة لمعالجة 14 مادة معلقة، وحسم الجدل فيها. هذا عدا عن اعطائها وزير المالية صلاحيات استثنائية في تحديد سعر الصرف.

 

الرابع، ستتضمن عجزاً هائلاً يجعلها مخالفة لأبسط متطلبات صندوق النقد الدولي. فالعجز قد يصل في هذه الموازنة إلى 20 ألف مليار تشكل ما نسبته 44 في المئة في أحسن الاحوال. وقد يتخطى العجز 100 في المئة اذا ما احتسبنا سلفات ومساهمات تمويل الكهرباء التي ستتضمنها على سعر صرف غير واقعي.

 

المزيد من التضخم

 

أمام عجز قياسي غير مسبوق في تاريخ الموازنات في لبنان، يعتبر الحاج أن «هذه الموازنة لا تشكل مؤشراً يصلح للانطلاق بالاصلاحات الاقتصادية، والدخول في برنامج تعاف مع صندوق النقد الدولي». خصوصاً أن الأخير يشترط عجزاً يقل عن 5 في المئة، فما بالنا بعجز تفوق نسبته 100 في المئة. وعليه لماذا الاستعجال لتمريرها على الرغم من دخول البلد في الربع الساعة الاخير من هذا العام؟

 

يجيب الحاج: «لأن الهم محصور بتأمين زيادة رواتب القطاع العام من رسوم وضرائب تجبى من الاقتصاد الشرعي، سواء كانوا أفراداً صالحين يسددون ضرائبهم أو شركات تصرح بأرقام أعمالها الحقيقية. الامر الذي سيزيد الانكماش ويفاقم الانهيار الاقتصادي. والأهم بحسب الحاج أنه بغض النظر إن كان العجز في الموازنة 13 ألف مليار ليرة، أو 40 ألف مليار كما نتوقعه، فهو سيموّل من طباعة النقود والتسبب بالمزيد من التضخم وانهيار القدرة الشرائية. وذلك بعد فقدان الدولة قدرتها على الاستدانة من الاسواق الداخلية أو الدولية».

 

ضآلة الإنفاق الإستثماري

 

إلى جانب كل هذه الاخطاء، لم تتضمن الموازنة إنفاقاً استثمارياً يزيد عن 4 في المئة من مجمل النفقات، مقابل 96 في المئة للنفقات التشغيلية. وبرأي الحاج فان «هذا الخطأ جوهري. ولا سيما أن هذه النفقات الاستثمارية، المتمثلة بشكل أساسي في قوانين البرامج، يعول عليها في تأمين مردود على الاقتصاد عامة والخزينة بشكل خاص في السنوات اللاحقة. ومن هذه البرامج على سبيل المثال: إعادة هيكلة القطاع العام، ووضع برنامج للتوصيف الوظيفي، وبرنامج للتحول الرقمي، وبرنامج للنقل العام… وغيرها الكثير من البرامج الاساسية التي تضمن عودة النهوض الاقتصادي. ما نراه من أرقام ومعطيات يثبت أن هذه الموازنة ليست اصلاحية، إنما دفترية تزيد الرسوم والضرائب غير المباشرة في ظل أوسع عملية تهرب ضريبي. ولا تتضمن في المقابل أي تشجيع للاقتصاد غير المنظم للانضمام إلى الاقتصاد الشرعي.

 

الموازنة رفعت إلى الهيئة العامة بـ 14 مادة معقدة معلقة. ورغم أن قلّة اتخذت القرار بعدم التصويت بالموافقة عليها، مثل تكتل «الجمهورية القوية»، فانه من المتوقع أن يجري تمريرها «على عيبها» من قبل الاكثرية. فـ»الادارة السياسية» لديها ما يكفي من الاصوات لكي تقرها تحت حجة الضغط، ومداهمة الوقت، وشروط صندوق النقد. فيما الحقيقة أن الهدف منها هو استمرار للأعمال كالمعتاد.