بتمريرٍ خجول أم بسقوط مريع، الموازنةُ ليست “بيت القصيد” في هذه المرحلة. لم تعُد مجديةً ألاعيبُ الأرقام والالتباسات التي تحترفها حكومة “معاً للإنقاذ”، ولا سياسة “خفض التوقعات” التي يروّجها وزير مالٍ متواضع القدرات.
حان وقت وقف التضليل. دخلنا في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، ويجب أن يتحوّل هذا الاستحقاق أولوية الأولويات ليعود الأمل الى اللبنانيين بلحظة انعطاف سياسي تؤسّس لعودة لبنان الى حياة طبيعية. لكن يبدو أنّ المنظومة الحاكمة تصرّ على تمديد مآسي “العهد القوي” عبر رئيس من الخط الممانع نفسه، أو بأفضل الاحتمالات وبعدما تستنفد الفراغ، برئيس تسوية يمسك العصا من وسطها بما يسمح باستمرار هيمنتها ومسح كرامة المنصب بالأرض.
لن يتوقف خلاص اللبنانيين على حكومة يجري التنازع على مقاعدها بحساباتٍ صغيرة تفترض أن الشغور واقع، وأن مهمتها تقاسم جبنة صلاحيات الرئيس. ولن تكون باباً للحلّ موازنةٌ لم يطلع عليها عاقل إلا وشبَّهها بمَن صاغها. رصفُ كلام “لا جمرك عليه”، ووعودٌ بخفض العجز لم يرَ أي مختصّ انها قابلة للوفاء، وتآمرٌ على ما تبقى من قدرة المواطنين على مواجهة أعباء المعيشة. ففي موازاة رؤية اقتصادية معدومة وإصلاحات موعودة في خطة تعافٍ عرجاء، تَفرض الموازنةُ رسوماً وضرائب تدَّعي انها لن تطال الفقير فيما تُجهز على الطبقة المتوسطة وتعمّق الانكماش حارمة الاقتصاد أيّ حافز للمنافسة وجاذب للاستثمار.
لقاءات الرئيسين لـ”تدوير زوايا” الحكومة العتيدة أوقاتٌ ضائعة، مثل أيام الموازنة، تضافُ الى الأيام المسروقة من المواطنين. “كَولَسة” معيبة وتجاذبات تفتح باب الهوبرات وإثارة النعرات لـ”تغطية السموات بالقبوات”، فيما المطلوب من مجلس نواب محترم أن يبادر فوراً الى انتخاب رئيس شعوراً منه بعمق الأزمة وارتداداتها الكارثية، واعترافاً بأنّ الإصلاحات والموازنات وخطة التعافي وتعويم الحكومة غير مجدية اذا أهملنا الاستحقاق.
بداية الحل سياسية، وتبدأ بالإقرار بأن نهج “المنظومة” الذي توَّجه “العهد القوي” كان جريمة متمادية كاملة الأوصاف، وأنّ خطة استنساخه للحصول على أوكسجين من صندوق النقد أو من غاز يتبع الترسيم غير مضمونة النتائج. فالحلّ في لبنان لن يبصر النور إلا باختيار رئيس شهم يجاهر بوجوب استعادة الدولة وجمع كلّ اللبنانيين تحت مظلّتها، معلناً أن لا فضل للبناني على آخر إلا بقدر مساهمته في إعادة البناء والخضوع للدستور والقانون.
تُوهم “المنظومة” اللبنانيين بأنها قادرة على الاستمرار وإنعاش الاقتصاد ببيع الكلام لصندوق النقد وبخفض الأصوات التي تهاجم المملكة العربية السعودية ودول الخليج القادرة على ضخّ الدماء في شرايين “المريض اللبناني”، فيما الحقيقة أن المجتمع الدولي والخليج على السواء، لم يعودا في وارد الاستثمار في كيس مفخوت وليسا حاضرين لمعاودة مدّ يد الصداقة للبنان قبل أن يستقرّ خياره السياسي، وتحديداً عبر انتخاب رئيس يحرر قصر بعبدا من الارتهان ويتعهّد تحرير رهينة ذهبية اسمها “دولة لبنان”.