IMLebanon

الموازنة بين الضرورة المالية والإدارية وبين السياسة والشعبوية

 

 

 

رأى عضو كتلة نواب التغيير وضاح الصادق بعد زيارة وفد الكتلة الى كتلة القوات اللبنانية في ختام جولاتها على الكتل النيابية، «اننا لمسنا بداية التغيير عبر وقف إقرار الموازنة، التي لم تستوفِ أي من الشروط الموضوعة للانتقال الى مرحلة أفضل، وما حصل في هذه الجلسة التشريعية أكّد ان التغيير يبدأ من داخل مجلس النواب، حيث تكمن المعركة الأساسية من خلال تغيير النهج المعتمد فيه».

 

هذا الكلام صحيح لجهة ضرورة تغيير الأداء المجلسي الذي كان سائداً خلال سنوات طويلة في إقرار كل مشاريع واقتراحات القوانين، والذي كان يتم عبر تفاهمات بين إئتلاف الكتل الكبرى والمؤثرة بناء على مصالحها، ولا يأخذ بملاحظات واقتراحات الكتل الأخرى الأصغر والأقل تأثيراً حتى لو كانت لتصويب الأخطاء وتصحيح الاتجاهات والأهداف والنتائج في أي مشروع.

 

لكن ما لا نراه صحيحاً كما يعتقد الكثير من الكتل والقوى السياسية هي بدء سيطرة فكرة «التعطيل ما لم نكن قادرين على التغيير والتصحيح». وهذه المسألة الخطيرة عبّرت عنها العديد من الكتل التي قالت مصادر احداها لـ «اللواء»: ان تطيير نصاب جلسة التصويت على مشروع الموازنة، لن يفيد، ووجود موازنة ولو غير متوازنة في هذه الظروف الصعبة، أفضل من عدم وجود موازنة، فالموازنة مهما كانت تضبط الانتظام المالي والاقتصادي والإداري العام الى حد كبير، بدل الصرف على القاعدة الاثني عشرية وما قد يشوبها من فوضى مالية. عدا عن انها تؤمّن ولو الحد الأدنى من بعض متطلبات الناس الحياتية والخدماتية، عدا خسارة المزيد من الأموال… والموازنة الحالية هي أساس يصلح للبناء عليه مع الخطوات الإصلاحية في وضع موازنة 2023.

 

على هذا، كان الأجدى بالنواب الذين طيّروا نصاب جلسة الموازنة، أن يبذلوا جهداً أكبر وضغطاً أكبر خلال المناقشات من أجل تصويب أخطاء الموازنة وتصحيحها وتعديلها وإضافة ما يلزم عليها بما يخدم مصلحة الناس إذا كانت هي فعلاً المطلبة، طالما ان ملاحظاتهم كانت في محلها، وطالما كانت الشكوى عامة من عدم مواءمة الموازنة مع الظروف الحالية ومتطلباتها التي عبّر عنها النواب. لكن يبدو ان الاتجاه عند «نواب التعطيل» كان إثبات الوجود بالعدد وحصد مزيد من الشعبوية عبر التجريح بموازنة لا تخدم مطالب الناس وحاجاتها الفعلية، والبناء على هذا التعطيل في التصويت على الكثير من الاستحقاقات المقبلة لا سيما استحقاق رئاسة الجمهورية، مع فارق ان الاستحقاق الرئاسي مختلف عن الاستحقاق المالي الذي يحتاج البلد الى تصويبه، والرئاسي أمر سياسي لا يرتبط بالمالي، إلّا إذا كان كل أمر يخضع لحسابات القوى السياسية ولو كان على حساب مصالح الناس الحقيقية.

 

ويبدو انه إذا استمر «نواب التعطيل» في أدائهم الشعبوي والسياسي لن يصلوا لى أي نتيجة تفيد البلاد والعباد، خاصة ان العديد من كتلهم سبق وأبرمت صفقات واتفاقات مع الكتل الأخرى المفترض انها من ضمن «المنظومة المشكو منها»، وهو ما ظهر في انتخابات هيئة مكتب المجلس واللجان النيابية، حيث تم ترتيب الأمور بما يفيد الكتل الكبرى المتخاصمة سياسياً لكن المتوافقة على تمرير مصالحها «بالتكافل والتضامن»، والتاريخ ليس بعيد والذاكرة ما زالت مليئة بتفاصيل هذا الحدث، وقد كان ضحيته الاولى نواب التغيير والمستقلين الذين يتحالفون الآن مع من أبرم الصفقات والاتفاقات على حسابهم وأخرجهم من هيئة مكتب المجلس واللجان الأساسية المهمة وقد يتحالف مجدداً في ليل ومن تحت الطاولة مع خصومه من أجل ترتيب معين في المجلس حول أمر معين.

 

بهذا المعنى وإذا استمر هذا الأداء، لن يصل نواب التغيير والمستقلين المعارضين الى أي نتيجة أو أي إنتاجية تشريعية، ما لم يثبّتوا وحدتهم وقوتهم مع الآخرين المعارضين الجدد في تصويب أداء المجلس نحو إنتاجية أفضل ونحو طريقة عمل أفضل، ولعل فاتحة هذا الأمر تكون بالنضال من أجل إقرار التعديلات الضرورية واللازمة على النظام الداخلي للمجلس وعلى طريقة التصويت واعتماد التصويت الإلكتروني لا الفوضوي والعشوائي الذي لا يعرف أحد من صوّت وكيف صوّت وعلى أي قانون صوّت فتضيع الطاسة و«ياما ضاعت» ومرّت قوانين بطريقة عجيبة غريبة!