من المتوقّع ان يناقش مجلس الوزراء في جلسته بعد غد الاثنين مشروع موازنة العام 2022، الذي أصبح جاهزا والذي حدد إيرادات الدولة بقيمة 39.15 الف مليار ليرة ونفقاتها بقيمة 49.42 الف مليار ليرة، بعجز قيمته حوالى 10 آلاف مليار ليرة من دون احتساب السلفة المخصصة لتسديد عجز مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 5250 مليار ليرة، حيث من المتوقع ان يبلغ عجز الموازنة 20.8 و30 في المئة مع احتساب سلفة الكهرباء.
لحظت الموازنة في المادة 133 منها، الاجازة للحكومة او وزير المال بتفويض منها، تحديد سعر تحويل من العملات الاجنبية الى الليرة اللبنانية من اجل استيفاء الضرائب والرسوم. وقد كشف مصدر رسمي لـ»رويترز» امس أن مشروع الموازنة يطبّق سعر صرف يتراوح بين 15 و20 ألف ليرة للدولار للنفقات التشغيلية، علماً ان مشروع الموازنة ظهر الى العلن قبل ان تظهر خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي والتي من المفترض ان تحدّد اطارا واضحا متوسط الاجل للسياسات النقدية والمالية والمصرفية، ومسارا لمعالجة الأزمة المالية والنقدية التي تتخبّط بها البلاد منذ اكثر من عامين، بل جاء مشروع الموازنة كعملية حسابية ترقيعية لتغطية نفقات اضافية بقيمة 30 الف مليار ليرة مقارنة مع موازنة 2021. وبما ان مشروع الموازنة يجب ان يتلاءم مع سياسة الدولة الاقتصادية والمالية للاعوام الثلاثة المقبلة بالحد الادنى، مع الاخذ بالاعتبار توقعات النمو وسعر الصرف والسيولة النقدية المتوفرة لدى القطاع المالي والمصرفي بعد عملية اعادة هيكلته، فإنّ اي مشروع موازنة لا يمكن ان يكون جدّيا وحقيقيا طالما ان تلك المؤشرات غير متوفرة بعد.
من الطبيعي ان تتضمّن الموازنة بنوداً لزيادة الايرادات لكنها في المقابل لم تعكس رؤية شاملة لإعادة هيكلة الانفاق على مدى السنوات الثلاث المقبلة، خصوصا في ما يتعلّق باستدامة الدين العام، ومعالجة عجز الدولة المالي، والذي يؤثر بشكل مباشر على السيولة النقدية، مع ضرورة تحقيق فوائض مالية على المدى المتوسط والبعيد تسمح باستدامة الدين العام، بالاضافة الى المواءمة بين الحاجات الاجتماعية واعادة اطلاق عجلة القطاع الخاص من خلال بعض الانفاق الاستثماري وضبط الانفاق غير المجدي.
ومن الاجراءات الضريبية لزيادة الايرادات الذي لحظها مشروع الموازنة: فرض رسم 3 في المئة على السلع المستوردة كافةً لمدة 10 سنوات باستثناء البنزين والمواد الاولية للصناعة، فرض رسم جمركي 10 % على السلع المستوردة كافةً إذا كان يصنع مثيلا لها في لبنان، تعديل وزيادة رسوم المرافئ، زيادة رسوم خروج المسافرين وفرضها بالدولار بين 35 دولاراً و100 دولار، تعديل وزيادة رسوم المطارات، زيادة رسوم الأشغال الطوبوغرافية ورسوم المساحة لتصبح بين 1.2 مليون و4 ملايين، زيادة الرسوم العقارية ورسوم التسجيل المقطوعة، زيادة قيمة الرسوم على جوازات السفر، فرض رسوم الفراغ على الحقوق العينية إلى 3 %، زيادة رسوم الطابع المالي على المعاملات، زيادة التنزيل العائلي لضريبة الانتقال، ورفع الشطور المتعلقة برسم الانتقال وزيادة معدل الضريبة، فرض ضريبة على الأملاك المبنية على الأبنية الشاغرة بنسبة 50 % من الضريبة المتوجبة، زيادة التنزيل السكني على ضريبة إيرادات الأملاك المبنية لغاية 40 مليوناً، حصر استيفاء الرسوم القنصلية بالدولار الأميركي، تعديل المواد المتعلقة باستيفاء الرسوم بالليرة اللبنانية والسماح باستيفاء بعض الرسوم بالدولار.
ومن البنود الواردة لخفض النفقات، تقليص اعتمادات الجامعة اللبنانية ووزارة الصحّة، تعديل شروط استحقاق المعاش التقاعدي وتضييق حالات الاستفادة منه وتخفيض الاستفادة منه الى حدود 25 في المئة، منع العسكريين من الجمع بين رواتبهم التقاعدية ومخصصات أخرى، تعديل ملاك السلك العسكري الى 120 عميداً وتعديل شروط الترقية.
كما ورد في مشروع الموازنة، إعطاء مساعدة اجتماعية لموظفي القطاع العام لمدة سنة موازية لراتب شهري، مع استثناء المؤسسات العامة والجامعة اللبنانية، بالاضافة الى إلزام المصارف بتسديد الودائع الجديدة فقط بعملتها، وفرض توطين الرواتب في القطاع الخاص في المصارف. في المقابل، تضمن المشروع جملة واسعة من الاعفاءات الضريبية للشركات والمكلفين وشركات الأوف شور، والمجموعات السياحية الوافدة الى لبنان.
جابر
في تعليق أوليّ حول العناوين العريضة لمشروع الموازنة، اوضح النائب ياسين جابر ان البنود الواردة في مشروع الموازنة «هي طروحات وأفكار وليست قانونا، وامامها مصفاتان: الاولى هي مجلس الوزراء ومعظم الكتل الممثلة فيه، والثانية هي مجلس النواب واللجان النيابية».
وفيما أشار الى صعوبة الظروف، قال جابر لـ«الجمهورية» ان البند المتعلّق بعدم منح زيادات او تقليص اعتمادات وزارة الصحة أمر لافت خصوصا، انه من الاولويات الملحّة اليوم ومن البنود الاكثر الحاحاً هي الحماية الاجتماعية «حيث ان الموظفين رغم ان رواتبهم واجورهم فقدت قيمتها، ما زالوا يتمسّكون بالوظيفة بسبب الضمان الصحي». مشددا على ضرورة ان تحظى مواضيع الحماية الاجتماعية بالاولوية خلال مناقشة مشروع الموازنة، مثل وزارة الصحة، الضمان الاجتماعي، تعاونيات العسكريين وكلّ ما يتعلّق بتأمين الطبابة والاستشفاء.
في المقابل، اعتبر جابر ان رفع الرسوم على السلع المستوردة يجب ان تتم دراسته بشكل دقيق لأنه يؤثر على الطلب ويخفّضه. وبالتالي، يخفّض الايرادات المتوقعة منه، على غرار ما حصل عندما تم اقرار سلسلة الرتب والرواتب ولم تتحقق الايرادات المتوقعة لتغطية كلفتها. واشار الى ان وزير المال ركّز في مشروع الموازنة على الضرائب غير المباشرة أي على المستهلك، لأنه يعلم ان الضرائب المباشرة كضريبة الارباح على الشركات لن تحقّق الايرادات المرجوّة، لأن معظم الشركات تتكبّد الخسائر.
وبالنسبة للاجازة الى الحكومة او وزير المال تحديد سعر الصرف لجباية الرسوم والضرائب، اعتبر جابر ان منح وزير المال هذه المرونة بتحديد سعر الصرف، يعود الى التقلبات المتوقعة لاحقا في سعر الصرف وامكانية معاودة صعود الدولار، على غرار حق التشريع الجمركي الممنوح للحكومة، مشيرا الى انه يمكن التوافق لاحقا على الاجازة للوزير تحديد سعر الصرف في حقل معيّن كالرسوم الجمركية ولكن ليس كافة الضرائب والرسوم.
وختم جابر مشددا على ان المشكلة الاساسية في البلاد أكبر من مشروع الموازنة، وهي تتعلّق بعدم وجود قرار سياسي بعد، بالاصلاح، «وإن لم يصدر القرار السياسي، تكون باقي الامور مجرّد «ترقيع وتمضية وقت»، حيث ان التشخيص اي الموازنة او تحديد الارقام والخسائر، ليس بحدّ ذاته الحلّ بل ان القرار بوقف النزيف والهدر الذي يعاني منه البلد هو الحلّ».