IMLebanon

موازنة مقترحة ممّن؟ ومفروضة على مَن؟

 

 

إنّ تحضير الموازنات العامة هو أمر طبيعي وواجب دستوري في كل بلدان العالم، لا سيما البلدان التي تحترم نفسها وأبناءها. فالموازنة هي أمر تقني، نقدي، مالي، إقتصادي وإجتماعي تهدف إلى تمويل مؤسسات الدولة، لا سيما تشجيع الإنماء والإستثمار، وتحفيز النمو من خلال دعم الشركات والمؤسسات، كما دعم الشعب، وليس إغراقه. أما الموازنة في لبنان، فقد أصبحت مثل كل القرارات مسيّسة بامتياز، تُجرّ بوحول التجاذبات السياسية، والصفقات الغامضة والمشبوهة.

لا شك في أن الموازنة المطروحة هي مشروع، لا تضمر أي شيء من الإصلاح الحقيقي، إنما هي موازنة ضريبية بامتياز، في مواجهة الشعب الذي ينزف، والشركات المتهالكة والإقتصاد المهترىء، كأنها متابعة مبرمجة للإستراتيجية المدمّرة لكل القطاعات الإنتاجية.

 

هذه الموازنة مقترحة ممّن؟ هذا المشروع مطروح ممّن أهدروا أموال الدولة، وأفسدوا ممتلكاتها، وطعنوا الإقتصاد ودمّروا النمو، بمعنى آخر مطروحة من المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن هذا التدهور الإقتصادي والمالي غير المسبوق، ويُريدون تغطية كلفة إفلاسهم من الناس الشرفاء والشركات الشفافة والبنّاءة.

 

إن هذه الموازنة مفروضة على مَن؟ إن هذه الموازنة الضريبية التخريبية موجّهة إلى شعب ينزف وهو على قيد الحياة، وعلى أُسر لا تستطيع أن تُدفّىء نفسها في هذا الصقيع، وعلى مرضى لا يستطيعون الإستحصال على دوائهم أو الإستشفاء، وعلى أرباب عائلات يُجاهدون لتوفير الخبز والحليب لأولادهم، وعلى مودعين خسروا أكثر من 85 % من جنى عمرهم، ولا يستطيعون أن يستحصلوا على مدّخراتهم المجمّدة، وعلى الرياديين والمستثمرين، حيث لا يزالون يثقون بأرضهم وبلدهم الأم، ويخلقون الوظائف والنمو.. فهذا الهجوم التخريبي موجّه لتمويل الفشل والخسائر والفساد. فبدلاً من تحسين وشكر كل هذه القطاعات الإنتاجية من التجارة والصناعة والزراعة والتكنولوجيا والسياحة، ها هم يُريدون ضرب كل القطاعات المنتجة، ضربة قاضية.

 

من جهة أخرى، إن هذه الموازنة خالية من أي اعتراف بالواقع الإقتصادي والإجتماعي المأساوي الذي أنتجته هذه السلطة السياسية التي لا تزال تُمسك بالقرار، حيث تضمّنت مخالفات دستورية وقانونية فادحة، حيث تستطيع، وقت تشاء، تغيير سعر الصرف، أو القيام بتعديلات بالشطور والتنازلات ولمدة سنتين.

 

إن هذه الموازنة من المستحيل تطبيقها أو فرضها، وإذا أُقرّت ستفتح المجال أمام المزيد من التهريب والمهرّبين، ومضاعفة إقتصاد «الكاش» وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. فيما الجباية من قبل الدولة هي تحت نسبة الـ 50 %، وهذا يعني أنه سيدفع ثمنها المواطنون الأبرياء والشفافون لتمويل الفاسدين والفاشلين.

 

إن هذه الموازنة الوهمية هي نتيجة صفقات واتفاقات داخلية وسياسية مشبوهة، وهي موازنة رفع العتب، لإرضاء البلدان المانحة، وهي مشروع لخدع صندوق النقد الدولي، بغية جذب بعض الأموال لإفسادها من جديد، أو لتمويل الإنتخابات. الواقع أن صفحة الماضي قد انتهت، وقريباً ستُقلب صفحة هذه الصفقات والأكاذيب التي لا أحد يُصدّقها بعد اليوم.