IMLebanon

موازنة رفع عتب بلا أي رؤية… خالية من الإصلاحات الضريبية

 

يوسف خليل أعجز من أن يواجه الأزمة بسياسة مالية ملائمة

 

 

من المفروض أن نوّاب الأمّة الـ128 تسلّموا هذا الأسبوع مشروع قانون الموازنة الذي أقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يوم الأربعاء الماضي، تمهيداً للبدء بمناقشته في اللجان النيابية ومن ثم إقراره. وليس من المبالغة القول إن هذه الموازنة ستكون أقرب الى «مظلة قانونية» لحماية الحكومة ووزرائها كونهم كانوا يعمدون منذ بداية شباط الماضي الى الصرف في وزاراتهم خلافاً للقانون، وبالتالي فهي موازنة «لن تسمن اللبنانيين ولن تغنيهم من جوع» تماماً كما هي حال موازنة 2022، بل على العكس تماماً ستكوي جيوبهم بمزيد من الضرائب والرسوم، بعد أن عمدت وزارة المالية لمضاعفتها واحتسابها على دولار صيرفة لتأمين الإيرادات المطلوبة (على الورق حتى الآن).

 

عجز بنحو 45 ألف مليار ليرة

 

بلغة الأرقام، الموازنة التي درستها الحكومة على مدى 6 جلسات، تمّ إدخال تعديلات عليها وبات العجز فيها مقدّراً بنحو 23.57 بالمئة أي 45 ألف مليار ليرة بعدما كان 18.50 بالمئة سابقاً، أما النفقات فبلغت 192 ألف مليار ليرة والإيرادات 147 ألف مليار ليرة. وفي حال اجتهد مجلس النواب في دراسة الموازنة من المفروض أن تقرّ في نهاية أيلول المقبل، أي قبيل نحو 3 أشهر على انتهاء العام، ما يجعل السؤال مشروعاً عن فائدة إقرارها بعد انقضاء كل هذا الوقت من دون أن تتمكن الحكومة من جباية رسومها وفقاً للاقتراحات التي تضمّنتها الموازنة، إضافة الى سؤال: لماذا لم تتضمّن إجراءات إصلاحية لوضع البلاد على سكة الخروج من الأزمة، وجاءت نسخة طبق الأصل تقريباً عن موازنة 2022 مع تعديل بالأرقام؟ وبالتالي فإن وزير المالية يوسف خليل عاجز عن مواجهة الحقيقة التي تفرض عليه إعداد موازنة إصلاحية جذرية تحاكي المطلوب لمعالجة الأزمة بالعمق وليس في تعديل الأرقام فقط وفقاً لسعر الصرف.

 

بلا أي قطع حساب

 

يشرح الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» أهمية إقرار الموازنة على الرغم من التأخير الحاصل بالقول: «أن تأتي متأخراً خير من ألّا تأتي أبداً. صحيح أن إقرارها قبل نهاية العام هو مخالفة فادحة للموجبات على عاتق الحكومة والمجلس النيابي، إذ كان على الحكومة أن تقرّ الموازنة في 31/ 12/ 2022 وتمّ التمديد لها بموجب الدستور لشهر إضافي أي 31 كانون الثاني الماضي للصرف على القاعدة الاثنتي عشرية»، لافتاً الى أنه «بعد هذا التاريخ باتت الحكومة تخالف القانون إضافة الى مخالفة فاضحة أخرى وهي عدم إقرار قطع الحساب، وهذا إجراء لم يطرح على المجلس النيابي منذ العام 2003 أي منذ عشرين عاماً، وتعهدت الحكومة في موازنة الـ2017 أي القانون رقم 66/2017، أنه سيتمّ إقرار موازنة من دون قطع حساب لآخر مرة، وتمّ إعطاؤها مهلة لإعادة تكوين الحسابات والمصادقة عليها بين العام 1993 وحتى 2015، وأن يتم وضع قطع حساب على أن لا تقرّ موازنة لاحقاً من دون قطع حساب. إلا أن هذا التعهّد لم يحترم وتم إقرار موازنة من دون قطع حساب، ما دفع الرئيس السابق ميشال عون الى عدم التوقيع على موازنة 2020 وصدرت حكماً».

 

يريدون تغطية المخالفات

 

يضيف: «حالياً يتمّ إقرار الموازنة الحالية مع كل التأخير الحاصل، لأنّ هناك موجباً دستورياً لا يسمح بصرف نفقات أو جبي ضرائب من دون موافقة برلمانية. صدور الموازنة اليوم هو لتغطية مخالفات الحكومة منذ أول شباط من العام الحالي حتى تاريخ إقرار الموازنة، إلا أنّ أي انفاق أو جباية حصلا يعتبران غير قانونيين وغير دستوريين ويمكن مساءلة الحكومة عليهما».

 

يعتبر ضاهر أن «فائدة الموازنة حالياً هي أنها مطلوبة من صندوق النقد الدولي، بالإضافة الى إقرار موازنة 2024 ضمن المهل الدستورية. والسؤال هو: هل الأرقام التي تضمّنتها الموازنة سوف تحاكي الواقع الفعلي على الأرض؟ أنا أشكّ في ذلك، كما أنها (برأيي الخاص) ليست هناك إصلاحات حقيقية فيها، بل تدابير تمّ اتّخاذها من دون درس للأثر الاقتصادي لها ولا محاكاة اقتصادية»، مشدداً على أنها «موازنة رفع العتب وتأمين النفقات الضرورية (مع التحفّظ في حال تم إدخال تعديلات عليها قبل إقرارها في مجلس الوزراء). وفي حال لم يتم تعديل المخالفات التي تضمّنتها الموازنة والتي سبق أن نبّهنا لها، فيجب أن يتم التصدي لها في مجلس النواب (اللجان والهيئة العامة) والإعلام والجمعيات الأهلية للضغط لعدم تمرير أي مواد فيها يمكن أن تسبّب ضرراً إضافياً للمكلفين وللاقتصاد اللبناني».

 

3 طرق لسدّ العجز

 

في تشريح كيفية تأمين تغطية العجز في الموازنة، يوضح ضاهر أن «مشروع الموازنة يتضمّن إيرادات عادية أي الضرائب واستثمار الدولة في أصولها، وهناك إيرادات استثنائية أي القروض التي تؤمّن، وهذا ما اتّكلت عليه الموازنات منذ نهاية الحرب وحتى اليوم عن طريق القروض»، شارحاً أن هناك 3 طرق لسد العجز ولها تأثير على حياة اللبنانيين. الأولى عن طريق زيادة الضرائب أو استحداث ضرائب جديدة، والسؤال هل يمكن زيادة ضرائب إضافية؟ هذا ما لن يتقبّله الشعب اللبناني علماً أن ضاهر يرى إمكانية زيادة الضرائب على بعض القطاعات التي لا تؤمّن اقتصاداً منتجاً او على منتجات مضرّة بالصحة، كما يمكن إعطاء حوافز لقطاعات أخرى واعدة». يضيف: «حالياً لن تتمّ زيادة الضرائب لأنه تمّ رفع الأرقام باحتسابها على سعر صيرفة، أما الوسيلة الثانية لسدّ العجز فهي طبع العملة وهذا أمر له محاذير على التضخم ورفع دولار السوق السوداء، والوسيلة الثالثة الاقتراض من الداخل، هذا أمر غير ممكن في ظل الأزمة في القطاع المصرفي أو الاقتراض من الخارج وهذا غير ممكن أيضاً من دون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة سياسياً واقتصادياً».

 

ويختم: «اليوم تحاول الحكومة تأمين التمويل لموازنتها من خلال الاقتراض من المركزي، أي من أموال المودعين وعمليات مالية كان يبرع فيها الحاكم السابق رياض سلامة، وهذا ما يرفضه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري. اليوم وصلنا الى نهاية المشوار ولا يمكن للحكومة والسلطة السياسية أن تربح وقتاً أكثر ولم يعد «الساحر رياض سلامة» يؤمّن لها ما يلزمها لكي تتمكّن من الاستمرار في النهج الذي كانت عليه».

 

موازنة من دون أفق!

 

في الميزان المحاسبي يوضح مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية الدكتور أمين صالح لـ»نداء الوطن» أن «موازنة 2023 تخطّت المهل الدستورية والقانونية وكان يجب أن تقرّ في 31 كانون الثاني 2023، وحالياً يتم الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية خلافاً للقانون والدستور»، لافتاً الى أنه «عادة تعبّر الموازنة العامة عن سياسة الدولة المالية والاقتصادية والاجتماعية لمدة عام كامل، والواقع أن هذه الموازنة ليست لها أهداف اقتصادية ولا اجتماعية ولا مالية، وهدفها تأمين التغطية القانونية لعملية صرف الأموال التي يقوم بها الوزراء».

 

أين الطابع الإستثنائي؟

 

ويشدّد صالح على أن «الموازنات في أيام الأزمات يكون طابعها استثنائياً ومهمتها معالجة الأزمة وأسبابها، وأن تكون هناك رؤية عند الحكومة لخطة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، تعبر عنها بالموازنة من خلال سياستها في حدود الإنفاق وأوجهه وسياسة الجباية الضريبية»، موضحاً أنه «في الموازنة الحالية ليس هناك أفق أو خطة أو رؤية بل مجرد أرقام تدلّ على الإنفاق وفقاً لدولار سعر صيرفة بما يؤمّن واردات تغطي حجم الإنفاق، وقسم من هذه الواردات هو دين بمقدار 34 ألف مليار ليرة (بحسب الأرقام الأولية للموازنة قبل إقرارها من مجلس الوزراء) وقاموا بزيادة الضرائب والرسوم بأضعاف لتضخيم الإيرادات وهذا أمر لا يستقيم، لأنه مضت 8 أشهر من العام، فهل يمكن تأمين الإيرادات المطلوبة في الأشهر القليلة المتبقية، هذا مستحيل».

 

الإستقراض من البنك المركزي

 

ويوضح: «إن ما تريده هذه الحكومة هو سدّ عجزها من خلال الاستقراض من المركزي، واليوم يدور نقاش أن منصوري لن يقبل إقراض الدولة، ولكن برأيي قبل تحديد موقفه إذا كان يستطيع إقراض الدولة أم لا، عليه أن يظهر الحسابات الحقيقية للمصرف المركزي، وإذا كانت الحجة أنه لا يمكنه إقراضهم إلا بقانون، فهذه الطبقة السياسية ستشرّع هذا القانون لأنه في بلدنا لا شيء مستحيل، عندها هل سيقدم الحاكم بالإنابة على إقراض الدولة؟ هذا هو السؤال الحقيقي».

 

هروب من استحقاقات الإصلاحات

 

ويرى صالح «أن هذه الطبقة السياسية تحاول أن تلصق كل السيئات والتجاوزات التي حصلت برياض سلامة وحده علماً أن الحقيقة أنهم كانوا شركاءه في هذه التجاوزات. ولا إجراءات إصلاحية في 2022 و2023، والجميع يردّد أنه يريد إصلاحات في الموازنة وإقرار الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي»، مشدداً على أنه «عملياً تم وضع مشاريع قوانين إصلاحية ملغومة منها الكابيتال كونترول مثلاً الذي هدفه الأساسي منع خروج الرأسمال الأجنبي من البلد، أما هدفهم فهو تشريع الارتكابات التي قامت بها الطبقة السياسية والمصرفية وهذا ليس بإصلاح بل هو فساد، ولا يمكن هيكلة القطاع المصرفي من دون خطة تعافٍ كاملة وتحديد للخسائر وتوزيع للمسؤوليات التي يجب تحملها». ويختم: «الإصلاح هو إرساء نظام ضريبي وعقد اقتصادي ونظام مالي جديد، وتحديد وظيفة المصارف وطبيعتها ومن هم مموّلوها ومالكوها، كل هذه أسئلة لا تريد هذه المنظومة الإجابة عنها لأنها ضد مصالحها».

 

ضاهر: يريدون إقرارها لتغطية مخالفات الصرف وفيها تدابير إتّخذت من دون درس للأثر الإقتصادي هدفها فقط تأمين النفقات الضرورية