نصّت المادة /83/ من الدستور اللبناني، أنه كلّ سنة وفي بدء عقد تشرين الأول تُقدّم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة. وعلى مجلس النواب مناقشتها وإقرارها في مهلة أقصاها نهاية العام، وبحدّ أقصى نهاية شهر كانون الثاني من العام الذي يلي، عملاً بأحكام المادة /86/ من الدستور.
أهمّية الموازنة تكمن بأنّها تسمح بانتظام المالية العامة وضبطها، حيث يُصار إلى تقدير الواردات والنفقات لسنةٍ قادمة، ويُعمل (قدر الإمكان) على تحقيق التوازن في ما بينها، وتتضمّن إجازة بالجباية والإنفاق (قرار المجلس الدستوري رقم 5/2017 تاريخ 22/9/2017).
ولما كان من الثابت أن الدستور منح الموازنة موقعاً استثنائياً نظراً لأهمّيتها. فنّص في المادة /32/ على تخصيص جلسات العقد الثاني لمجلس النواب للبحث بها وإقرارها قبل كلّ عملٍ آخر. حتى أنه نصّ في المادة /86/ على فتح عقد استثنائي يستمرّ حتى نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، بحال تخطّي مهلة العقد العادي
علماً، أن الاجتهاد الدستوري ذهب إلى اعتبار أنه حتى ومع غياب قطع الحساب، فذلك لا يحول دون مناقشة وإقرار الموازنة. معتبراً أن قطع الحساب اعتُمد مِن أجل الموازنة، ولم تُعتمد الموازنة من أجل قطع الحساب (قرار المجلس الدستوري رقم 2/2018 تاريخ 14/5/2018).
مما يُفيد، أن عدم إقرار الموازنة له انعكاسات سلبية جدّاً على الدولة، ويؤدّي إلى فوضى في المالية العامة. حتى أن الدستور أجاز حلّ مجلس النواب في حالة ردّه الموازنة برُمّتها، بقصد شلّ يد الحكومة عن العمل (الفقرة الرابعة من أحكام المادة /65/ من الدستور).
تطبيقاً لما تقدّم،
أحالت حكومة تصريف الأعمال، وفي المهلة القانونية (قبل بداية العقد الثاني بـ 15 يوماً) إلى مجلس النواب، مشروع قانون موازنة /2025/. وحتى تاريخه لم تعقد لجنة المال والموازنة أي اجتماع لبحث الموازنة، رغم أنّها أُحيلت إليها أصولاً (سنداً للمادة /26/ وما يليها من النظام الداخلي لمجلس النواب).
وبالتالي، يُفترض ومع قُرب حلول أجَل نهاية العقد الثاني، أن تنحصر الاحتمالات أمام النواب بما يلي:
* إمّا المُباشرة بمناقشة الموازنة وإقرارها معدّلة في جلسةٍ عامة.
* إمّا ردّ الموازنة برُمّتها إلى الحكومة.
* وإمّا عدم البتّ بها وانقضاء مهلة نهاية شهر كانون الثاني من العام المُقبل. عندها يجوز لمجلس الوزراء إصدارها كما أرسلها، بمرسوم يصدر عنه، عملاً بأحكام المادة /86/ من الدستور.
كما يحّق للحكومة استرداد مشروع الموازنة، لإدخال تعديلات عليها تتماشى مع التطوّرات الأخيرة التي شهدها الوطن.
وبالاطّلاع على الموازنة الحاضرة (مشروع موازنة /2025/) يظهر جليّاً أن هذه الموازنة تُعاني من عجزٍ كبير، خلافاً لما كان عليه الأمر في موازنة /2024/. وبالتالي الإجازة للحكومة باستردادها أم ردّها إليها، وتضمينها أعباء إضافية، سيُرهِق الاقتصاد أكثر، والمالية العامة، وسيؤدّي إلى انهيار مالي واقتصادي واجتماعي ونقدي. لذلك، وحرصاً على المالية العامة، والاقتصاد والنقد، من المفترض أن يُباشر السادة النواب مناقشة الموازنة الموجودة أمامهم، وتحديداً لجنة المال والموازنة، وإدخال ما يجب من تعديلات عليها، لقطع الطريق أمام مُزايدات رخيصة، أم مغامرات غير محسوبة، بعناوين فضفاضة، ستودي بالاقتصاد الوطني إلى الهلاك.
أمّا لجهة مساعدة النازحين، فيُمكن الاستناد إلى المساعدات الآتية من الدول الشقيقة والمتعاونة، والتعويل على المؤتمرات والدول المانحة. أمّا بحال الحاجة إلى تدخُّل الحكومة فيُمكِن فتح اعتمادات استثنائية لاحقة بموجب قانون خاص، سنداً للمادة /85/ من الدستور اللبناني. وعدم إرهاق الموازنة من الآن بأعباء إضافية، لا قُدرة لها على تحّملها لا مِن قريب أم بعيد على الإطلاق.