مع بدء لجنة المال النيابية مناقشة مشروع موازنة العام 2109، بعد إحالته الى مجلس النواب للمصادقة عليه، من المتوقع أن تستغرق اللجنة قرابة الشهر لدراسة المشروع، ومن ثم إحالته الى الهيئة العامة لمجلس النواب، لتسجيل الاعتراض والملاحظات عليه، ضمن اجواء متوترة تحوي المناكفات السياسية والمزايدات الشعبوية الصورية خصوصاً امام اللبنانيّين، فيما في الكواليس يختلف الوضع بحسب ما تنقل مصادر سياسية معارضة ومتابعة لملف الموازنة. وتشير الى ان الشعب وحده سيتحمّل التداعيات والضرائب المبطّنة، التي ادت الى ردّات الفعل الرافضة والمتمثلة بسلسلة الاعتصامات والاضرابات، التي تشهدها البلاد منذ حوالى الشهر. بحيث يتواصل التهديد بالإضراب المفتوح في الشارع، من قبل موظفيّ القطاع العام والعسكريّين المتقاعدين والأساتذة والى ما هنالك، في حال لم تدخل تعديلات على بعض بنود الموازنة التي تهدّد حقوق هؤلاء، في ظل مواقف بعض الوزراء المتحفظين والرافضين لتلك البنود، التي ادت الى مناكفات سياسية، اظهرت مدى التباين داخل جدران الحكومة وكواليسها، بين مختلف ممثليّ الاحزاب ضمنها، والدليل ما ادلى به الوزير غازي زعيتر قبل ايام قائلاً: «لا نفهم شيئاً من الطروحات التي يقدّمها الوزير جبران باسيل، ودعوته الى اعادة النظر بالمشروع برمّته»، واصفاً الوضع بغير الطبيعي، إضافة الى ما إعتبره النائب ميشال موسى أنّ الوزراء بحاجة الى اتفاق سياسي من خارج جدران الحكومة، لينتقل الحل الى داخلها، وأشار الى انّ كل فريق لديه فئة يريد ان يقف الى جانبها، ويكسب ودّها وتأييدها، لذلك نرى تضارباً في الآراء داخل الحكومة كما قال.
ورأت المصادر المذكورة أن مساحيق التجميل تتحضّر في المجلس النيابي لتمرير الضرائب والتداعيات الخطرة على الاقتصاد.
إنطلاقاً من هنا، ثمة أسئلة تطرح بلسان اللبنانيّين الغاضبين من طرق الإصلاح وخفض العجز، فهل بدفع ضريبة الالف ليرة عن النرجيلة؟، وبرسم المليون ليرة على رخصة الزجاج الداكن؟، ورسم ال 200 الف ليرة على رخص السلاح نسّد العجز؟، وهل بتحميل الموظفين أوزار الاقتصاد نصل الى مبتغانا الإيجابي المنتظر؟.
هذه الاسئلة يرّد عليها الخبراء الاقتصاديون بشكل يومي، ويعتبرون أنه كان من الاجدى وقف مزاريب الهدر والفساد في المؤسسات، ومحاسبة السارقين الكبار، وتطبيق سياسة من أين لك هذا؟، وإرجاع مال الدولة اليها، ومحاسبة من إستولى على الأملاك البحرية، وتطبيق القوانين المتعلقة بها، إضافة الى وقف تمويل الجمعيات الخيرية الوهمية، ووقف إيجارات مباني الدولة المرتفعة جداً، وصولاً الى وقف التنفيعات من رواتب خيالية لبعض المستشارين، والى ما هنالك من إصلاحات، مع ضرورة مصارحة المسؤولين بالحقائق وإعلان المخاطر الحقيقية والقيام بالإصلاحات الفورية، وإتخاذ الإجراءات الضرورية لتخفيض العجز عبر رفع مستوى الإيرادات بشكل كبير، من دون فرض أي رسوم أو ضرائب جديدة، والتشدّد في الجباية الضريبية بصورة فعلية من دون أي إستثناءات.
وقد رافق مخاوف الاقتصاديّين ردّ فعل متحفظ، صدر حديثاً من قبل مؤسسات التصنيف الدولية، التي رفضت ما سمّته السلطة التنفيذية «انتصاراً» لها، تمثّل بخفض العجز بحسب ما إعتبرت.
كما علت اصوات معارضة، رأت أن الموازنة أتت مخالفة للدستور ولا تضّم اي اجراءات تؤدي الى نهوض اقتصادي. ونتائجها ستكون إنكماشاً اقتصادياً وغلاءً معيشياً، وانخفاضاً ضمن القدرة الشرائية. وافيد ايضاً بأن عدداً من سفراء الدول الأوروبية، أبلغوا المسؤولين اللبنانيّين قبل ايام معدودة ضرورة إدخال تعديلات على مشروع الموازنة في مجلس النواب، كي تتلاءم مع مطالب الدول المانحة في مؤتمر «سيدر»، معتبرين ان مشروع الموازنة في صيغته المطروحة حالياً، لا يلبّي هذه المطالب.
وفي هذا الاطار يشير الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني في حديث لـ«الديار» الى ان الموازنة خلت من أي رؤية إصلاحية، تأخذ بعين الاعتبار نموّ الناتج المحلي وزيادة الاستثمارات، وتحفيز القطاعات الإنتاجية وغيرها، بحيث إنتظر الجميع موازنة إنقاذية فجاءت أقل من التوقعات، اذ أتت متواضعة في إصلاحاتها وغير كافية، ومحدودة في تقشفها، ومن دون رؤية اجتماعية، او إجراءاتٍ تحفّز النمو الاقتصادي، بمعنى انها تفتقد الاجراءات التحفيزية للاستثمار، ولفت الى وجود شكوك بقدراتها على ضبط الإنفاق العام، إن على صعيد الكهرباء وخدمة الدين العام، او معاشات التقاعد ونهاية الخدمة.
وعن تداعيات الضرائب الجديدة على الوضع الاقتصادي ككل، قال وزني: «الموازنة لحظت رفع الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات كافة، والمفتوحة لدى المصارف بما فيها حسابات التوفير وغيرها من 7 الى 10 في المئة، وهذا الإجراء ايجابيّ لأنه سيرفع ايرادات الخزينة بقيمة 500 مليون دولار وهي ايرادات مضمونة» مذكّراً بأن الودائع ارتفعت في عام بنسبة 2 في المئة على الدولار و4 في المئة على الليرة اللبنانية، وبالتالي فإن هذه الضريبة ستكلّف صاحب وديعة 50 ألف دولار 10 دولارات شهرياً فقط، ورأى ان هذه الضريبة لن تؤدي في نهاية المطاف، الى خروج الودائع او عدم مجيئها الى لبنان، لأن الفوائد على الودائع في لبنان هي الأعلى في المنطقة.
وتابع وزني: «اما رسم 2 في المئة على الاستيراد، فسوف يطال الطبقتين المتوسطة والفقيرة، لان الرسم النوعي يشمل حوالى 20 سلعة. وفي ما يخص الضريبة على معاشات المتقاعدين والقطاع العام، فهي بالتأكيد ستؤثر وستكون لها تداعيات على الحركة الاقتصادية».
وختم: «هذه الموازنة لن تحرّك النموّ الاقتصادي، ولن تكون عاملاً مساعداً لان إصلاحاتها متواضعة جداً».