تعكس مناقشة النواب لمشروع الموازنة في المجلس النيابي، مؤشرين لافتين، الاول تدني مستوى النقاش للمشروع، وغياب الحد الادنى المقاربة التقنية والعلمية المطلوبة من معظم النواب، لهذا الموضوع المهم في تحديد مسار الازمة المالية والاقتصادية في البلاد ومستوى عيش المواطنين ووضعية الدولة عموما، واستبدال هذا النقاش بالمواقف والتهجمات السياسية المعهودة وحملات التراشق والتهشيم والاتهامات الشخصية وغيرها.
والمؤشر الثاني، هو تركيبة مشروع الموازنة المقدم من الحكومة ومكوناته الهشّة، والتي تفتقر إلى الرؤية الاقتصادية والمالية السليمة، واقتراح الحلول والخطوات الاصلاحية المطلوبة،للانتقال التدريجي من الازمة الحالية، الى مرحلة التعافي الاقتصادي.
في العادة، يناقش النواب مشروع الموازنة،انطلاقا من الوقائع الاقتصادية والمالية للدولة، وينتقدوا مايعتبرونه خاطئاً اوغير قابل للتطبيق،ويطرحوا البدائل الافضل القابلة للتنفيذ، لتحسين المشروع نحو الافضل، وانعكاسه ايجابا على الميزانية العامة ومستوى عيش المواطنين.
تكاد تغيب او غابت عن نقاشات النواب للموازنة هذه المرة، وقائع الظروف الصعبة التي يواجهها المواطن في حياته اليومية، واقتراح الحلول لها،بدءا من تأمين مستلزمات العيش الضرورية، والخدمات العامة في الماء والكهرباء وسلامة الطرقات العامة، سبل مكافحة نسب التضخم التي بلغت ارقاما خيالية للعام المنصرم قارب الماية والسبعين بالماية،وماتزال بارتفاع متواصل،في ضوء غياب وزارات الدولة المعنية وأجهزة الرقابة ومكافحة الغلاء وملاحقة التجار المحتكرين.
بدت المعارضة مشرزمة في مناقشة الموازنة، ولم تستطيع تقديم اي تعديلات جذرية على المشروع،وغاصت في مناكفات هامشية غير مجدية، مايعني ان وجودها لم يكن مؤثرا في تغيير اوتحسين القانون.
لم تشفع حجج الحكومة وتبريرها لهشاشة مشروع الموازنة بتردي الوضع السياسي بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية، او بالظروف الصعبة التي يمر بها لبنان في ضوء التعطيل المتعمد، لاقرار مشاريع القوانين المطروحة بالتماهي مع المجلس النيابي،بدءا من قانون
الكابيتال كونترول والإصلاح المالي وهيكلة المصارف، والمباشرة بالخطوات التنفيذيه لتنظيم اعطاء المودعين جزءا يسيرا من ودائعهم الضائعة،مابين المصارف والدولة.
تحولت جلسات مناقشة الموازنة,من جلسات لتحسين وتطوير الوضع الاقتصادي والمالي في البلد، والخروج من الأزمة، والتخفيف عن كاهل المواطنين، الى جلسات مبارزة مكشوفة وتصفية الحسابات، وتراشق وهجمات وتهجمات,و تكريس حالة الانقسام والتشرزم السياسي بامتياز, والاهم تظهير بشاعة تصرفات الطبقة السياسية الحاكمة, وتغليب مصالحها الشعبوية الخاصة على مصلحة الوطن .