إقرار قانون الموازنة العامة لسنة 2024 في موعد معقول هو خطوة متقدمة على الأقل في الشكل، تمهّد لاحترام المواقيت والمهل والأصول، في شتى ميادين التشريع والنُظُم.
طبعاً، لم نزل جدّ بعيدين عن تطبيق الشفافية والحوكمة في المرافق العامة، خصوصا في المؤسسات الدستورية، تشريعياً وإجرائياً وبالتأكيد إدارياً وقضائياً.
والموازنة التي هي بمثابة قانون أساسي في الدولة تُعتبر قابلة للطعن أمام المجلس الدستوري. والتقدّم بمراجعة طعن بدستورية القانون او ببعض مواده أمام المجلس الدستوري لعدم تطابقها او لتعارضها مع أحكام الدستور اللبناني هو أمر ممكن. ولكن من الواضح أنه ليس وارداً في ظلّ ما نعيشه من أزمات يستعصي البعض منها على الحلول الجزئية او الشاملة، والبعض الآخر لا يمكن حلّه في ظل السلطة الحاكمة وعقليتها وتقاعسها عن القيام بالمحاسبة وتوزيع الأرباح ووضع حد لتلاشي الوضع النقدي وإرساء سياسة فاعلية تُعيد موقع القطاع المصرفي كلاعب أساسي في الإنتاج العام.
والموازنة هي قانون، بمعنى أنه لا يمكن لهذا القانون أن يُعدّل بطريقة مباشرة او غير مباشرة قوانين أخرى مرعية الإجراء، لأن لا تشريع ضمنياً بل علني ومحدد النص والاطر والديناميات.
وهذا خطأ فادح ومتكرر حصل ويحصل، طبعاً من دون مساءلة علمية وتقنية قانونية وعامة. وذلك، لأنّ قانون الموازنة ليس قانون – إطار تنبثق منه قوانين أخرى، إقراراً او تعديلاً او تطبيقاً.
لا تفرض ضريبة الا بموجب قانون، وهذا مبدأ دستوري وبارز. والضرائب أنواع وفئات من غير الجائز إلاّ أن تكون عادلة وشاملة، إنطلاقاً من مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون… ولن أكون مثالياً لملاحظة ترنّح المساواة والعدالة مبدأ وممارسة ومنذ زمن غير قصير… في انتظار حلول مرجوّة ولو بعد حين.
والمساواة ليست ترفاً بل حق دستوري لا يخضع للابتزاز او للنقاش السياسي او للرأي والرأي الأخر. مساواة أمام الموجبات الضريبية وامام جميع الموجبات، وبحجة أولى أمام التمتّع بالحقوق الأساسية والفردية في اعتبار أنّ العدل هو أساس الملك وأكثر، فهو أساس الحكم والممارسة البرلمانية في التشريع والتنفيذ والقضاء والإدارة.
أما فرض ضرائب بمفعول رجعي فهو سيف ذو حدين، إذ ان إقرار رجعية القوانين هو عملية تشريعية استثنائية، لا يجوز أن تُعمّم الاّ من ضمن سياسة عامة مدروسة المعالم تتعلق بميادين محددة وضمن هدف واضح. وإلّا وقعنا في شطط فادح يجعل التشريع عملية انتقائية، ولا يعطي النتائج الإيجابية على الإطلاق، خصوصاً في ميادين الاستثمار والتوسع والتطوير.
إذ يفقد التشريع سِمة من سماته البارزة، وهي الثبات والتطبيق المستقبلي. هذا يجعل المستثمرين في حال من الحذر من مغبّة إقرار قوانين «للماضي»، مهما كانت الأهداف «نبيلة». وقوة الضريبة عند إقرارها تكمن في قدرة الإدارة على تطبيقها، وبمساواة وعدالة. وهذا لا يتحقق الّا من خلال التأكد من واقعات مالية واقتصادية، وبمن يصبح مكلفاً وما هي قيمة التكليف. إذ لا يجوز، بعد كل ما جرى أن تحصّل الضرائب وفق مبدأ «من الموجود»، والا ستزداد الأمور سوءاً على سوء، ولن تحقق الموازنة غير المتوازنة في الأساس المَرجو منها ولو كان غير كثير وغير كبير.
غير متوازنة، لأنها أولاً أتت غير مترافقة مع خطة وطنية اقتصادية ومالية ونقدية متكاملة، وبالتالي في غير السياق التطبيقي لأي خطة، نحن أحوَج ما نكون لها بعدما انهارت النظم وتفاقمت الأزمات.