مرّت موازنة ٢٠١٧ بسلام، عبر خط عسكري شقه لها الرئيس نبيه بري بين مواد الدستور، وأبرزها المادة ٨٧، متجاوزة قطع الحساب القاطع لطريق الموازنات منذ ١٢ سنة.
عمليا كان الخيار صعبا، بين موازنة مع خرق سطحي للدستور، قابل للمسامحة، وبين تفضيل حرمة الدستور، على ملحاحية الموازنة، وكانت الأفضلية للموازنة، على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ان الخط العسكري الذي فتح لموازنة ٢٠١٧ سيبقى مفتوحا بانتظار تمرير موازنة ٢٠١٨، أم ان ما حصل في مجلس النواب بالأمس، كان خاتمة الأثافي؟…
الجواب رهن التطورات السياسية وغير السياسية، والمتفائلون لا يرون مشكلة، فهذا الخدّ معوّد على تلك اللطمة، ومن تحمّل ١٢ سنة حسابات بلا قطع أو محاسبة، يتحمّل سنة اضافية، فيما ثمة من يرى في عدم انتظام السياسة المالية، نقطة ضعف يمكن استثمارها انتخابيا.
اللافت في النقاشات التي حصلت، غياب الأرقام عن معظم المداخلات، إلاّ من بعض المعارضين، وكان الحضور السياسي في الكلمات طاغيا، حول الممر الذي استحدث للموازنة الجديدة، المتقادمة، بين من يتمسّك بقطع الحساب كمدخل لاقرار الموازنة، ومن يصرّ على تمرير الموازنة أولا، ليأتي القطع لاحقا…
المصادر المتابعة، سألت عن السرّ في مشكلة قطع الحساب المستعصي، منذ أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، حيث الكل يتحدث عنه، ولا أحد يتحدث فيه، إلاّ بالعموميات، فبعضهم يتصور ان للأمر علاقة بتمويل حصة لبنان في المحكمة الدولية، علما ان هناك التزاما لبنانيا بالأمر، والبعض الآخر يتحدث عن براءات ذمة ممنوعة من الصرف سياسيا، رغم التفاهمات والتسويات السياسية، وهذا المنع مرتبط، والى حدّ بعيد، بالانتخابات النيابية المقبلة.
لقد التقى النواب، موالون ومعارضون على انتقاد اداء السلطة، وركّزوا على المناطقيات والطائفيات، الى حدّ ان بعضهم استهلّ مداخلته بالبسملة والبعض الآخر بأبانا… وهذا جديد على قواعد الخطابة في مجلس النواب اللبناني…
والحصيلة: مطرحك يا ماشي، النفقات تتجاوز الواردات، والديون تتخطى الامكانيات والاعتبارات، واللبنانيون تعبوا من الشكوى وسئموا من النفاق، ومن الارتهان المضني للمشاريع الخارجية، كما من اللعب على حبال الصفقات والتلزيمات والمزايدات، على حساب السيادة والمال العام، الى حدّ رهن مستقبل الأجيال للديون المتراكمة.
اللبنانيون كلّوا وملّوا من التحايل على الدستور والقوانين والتشريعات، التي تقرّ ولا تنفذ، وعلى الفساد بأشكاله، مع غياب الضمير الوطني والقيم الأخلاقية والمحاسبة والمراقبة، وكل ما هو مكوّن من مكونات مفهوم الدولة والتطور، مع التأزيم الطائفي والمذهبي المتعمّد، للعقول والقلوب.
يتحدثون عن عجز السلطة ويتوسعون في الحديث عن الأسباب والمسببات، الظاهرة والمستترة، مع تناسي زحف قوى التخلّف والتيارات الدينية أو المذهبية، وتغيّب كل ما هو وطني بالمعنى الصحيح، وكل ما هو خارج دائرة التعصّب والتزمّت، والمتاجرة بالخالق الديّان.
الديمقراطية اللبنانية، أصبحت أسيرة التوافقات والمحاصصات. فالشراكة الوطنية، تكون من أجل الوطن، وليس على الوطن، ولا تكون ملونة بحسب الحاجة والطلب، انما متحررة من التلاعب بالحريات والتوازنات، ومن الاستسلام للسائد، وما يكرّسه وما يترتب عليه، من اجهاض للعقول، واطلاق للغرائز وحجب للكفاءات على مذبح الولاء الأعمى، والجهل المقيم.