أعدت موازنة 2015 تحت الضغوط الامنية والمطلبية، فجاءت مغيـّبة للرؤية الاقتصادية، خالية من الاصلاحات، لا تتضمن اجراءات تحفـّز النمو او تحتوي أزمة النازحين.
تعتبر موازنة 2015، موازنة أرقام اذ انها انفاقية بامتياز نتيجة الزيادة الكبيرة للانفاق غير المنتج على الرواتب والاجور وملحقاتها، وضريبية نتيجة تضّمنها سلّة واسعة من الاجراءات الضريبية الملحوظة في مشروع سلسلة الرتب والرواتب اضافة الى تسجيلها عجزا مقلقا.
تظهر القراءة الاولية لارقام الموازنة العامة ما يلي:
١ ـ النفقات العامة:
– تقدّر بحوالي 23362 مليار ليرة ما يعادل 30.7 % من الناتج المحلي مقابل 20500 مليار ليرة انفاق فعلي في العام 2014 اي بزيادة 2862 مليار ليــرة ونسبته 14 %. في المقابل، يقدّر نمو الناتج المحلي في العام 2015 بحوالي 6.5 % اي اقل بكثير من نمو الانفاق العام.
– ارتفاع ملحوظ للرواتب والاجور أكثر من 10 % اي أكثر من 355 مليار ليرة نتيجة زيادة عدد موظفي القطاع العام حوالي 7 % اي حوالي 11.7 الف شخص لاسباب أمنية وسياسية واجتماعية: تعيينات وتطويع وتوظيف 10500 عنصر أمني وعسكري (152 مليار ليرة)، تثبيت 2500 عنصر في الدفاع المدني (42 مليار ليرة)…
– تشكل البنود الثلاثة الرواتب والاجور وملحقاتها (6342 مليار ليرة)، خدمة الدين العام (6585 مليار ليرة) وتحويلات مؤسسة الكهرباء (3056 مليار ليرة) حوالي 68.4 % من اجمالي الانفاق العام.
– عدم تضمن النفقات العامة كلفة تعديلات سلاسل الرتب لموظفي القطاع العام المقسطة لسنتين والمقدّرة بحوالي 1200 مليار ليرة اي تقدّر كلفة السنة الاولى حوالي 600 مليار ليرة.
– ضعف حجم النفقات العامة الملحوظة في مشروع الموازنة لتغطية كلفة النزوح السوري. جاءت وعود مؤتمر الكويت البالغة 3.8 مليار دولار للنازحين السوريين غير كافية اذ يستقطب لبنان 1.2 مليون نازح مسّجل ويحتاج الى حوالي مليار دولار.
– مؤسسة كهرباء لبنان: قدر عجزها بحوالي 3056 مليار ليرة. لم تأخذ الموازنة الانعكاسات الايجابية لهبوط اسعار النفط عالميا على عجز مؤسسة الكهرباء والمقدّرة بحوالي 900 مليار ليرة في حال بقي سعر برميل النفط اقل من 60 دولارا في 2015. يفترض بالحكومة الافادة من هذا الوفر للانتهاء من تجهيز المعامل الجديدة وتأهيل المعامل القديمة بهدف زيادة الطاقة الانتاجية.
٢ ـ الايرادات الضريبية: تتضمن الملاحظات التالية:
– تقدّر بحوالي 12108 مليار ليرة ما يعادل 15.9 % من الناتج المحلي مقابل 10825 مليار ليرة مقدّر في 2014 اي بزيادة 1283 مليار ليرة ونسبتها 11.85 % ناجمة عن اجراءات ضريبية جديدة توفـّر ايرادات اضافية مقدرّة بحوالي 1330 مليار ليرة ما يشير الى عدم وجود نمو في الايرادات الضريبية ناتج عن تحسّن في النشاط الاقتصادي.
– هيكلية الايرادات الضريبية: تزايد حصة الضرائب المباشرة.
÷ الضرائب المباشرة: تقدّر بحوالي 4956 مليار ليرة ونسبته 41 % من اجمالي الايرادات الضريبية مقابل 3973 مليار ليرة مقدّر ونسبته 36.7 % من إجمالي الايرادات الضريبية في العام 2014. تعود الزيادة الى الاجراءات الضريبية الجديدة التي حسّنت ايرادات ضريبة على الدخل والارباح ورؤوس الاموال حوالي 928 مليار ليرة.
÷ الضرائب غير المباشرة: تقدّر بحوالي 7151.9 مليار ليرة ونسبته 59 % من اجمالي الايرادات الضريبية مقابل 6851 مليار ليرة مقدّر في 2014 اي بزيادة حوالي 301 مليار ليرة ونسبته 4.39 %.
– عدم لحظ الايرادات الضريبية انعكاسات تراجع اسعار اليورو وهبوط اسعار النفط:
÷ فان انخفاض اسعار اليورو حوالي 15 % قد يخفف فاتورة الاستيراد من منطقة اليورو البالغة 6.3 مليار دولار حوالي 800 مليون دولار ما قد يتسبب بخسارة الدولة ايرادات في الرسوم الجمركية و TVA أكثر من 150 مليار ليرة
÷ ان تراجع اسعار النفط عالميا الى 60 دولاراً للبرميل قد يتسبب بخسارة الدولة ايرادات في الضريبة على القيمة المضافة على البنزين اكثر من 150 مليار ليرة علما ان المازوت معفاة منذ العام 2012 من الضريبة على القيمة المضافة ومن الرسوم.
– تفاؤل في تقديرات ايرادات الضريبة على القيمة المضافة التي ترتفع 6.2 % وفي الرسوم على الجمارك التي ترتفع 3 % وفي ايرادات ضريبة الدخل على الأرباح التي ترتفع 32.8 % في 2015.
– أبرز التدابير الضريبية الجديدة: رفع معدل الضريبة على الفوائد الى 7 %،
وتطال هذه الضريبة بشكل رئيسي القطاع المصرفي الذي ستكلفه حوالي 300 مليار ليرة، وقد تحقق ذلك بإصرار رئيس مجلس النواب، ورفع معدل الضريبة على شركات الاموال الى 17 %، وفرض رسم استهلاك على المازوت (4 %)، وفرض ضريبة معدلها 15 % على الأرباح العقارية.
٣ ـ العجز في المالية العامة: يقدّر بـ 7728 مليار ليرة ونسبته 10.16 % من الناتج المحلي. يعتبر مقلقاً لأن له انعكاسات على الفوائد والتصنيف الائتماني للدولة وعلى القطاع المصرفي.
يخشى ان يرتفع العجز الى 8328 مليار ليرة ونسبته 10.9 % من الناتج المحلي في حال اقرّ مجلس النواب سلسلة الرتب والرواتب وتمّ تسديد القسط الأول منها المقدّر بحوالي 600 مليار ليرة.
٤ ـ النمو الحقيقي: مقدّر بـ 2.7 %. يعتبر مرتفعاً اذ نتوقع ان يبقى ضعيفاً، يقل عن 2 % بسبب عدم وجود تحسّن في الافق سياسياً وأمنياً، مع الاشارة الى ان البنك الدولي قدّر النمو للعام 2015 بحوالي 2.5 %. يحتاج لبنان الى نمو يقارب 5 % للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
٥ ـ التضخم: مقدّر بـ 4.5 %. يعتبر مرتفعاً اذ يقدّر صندوق النقد التضخم 1.1 % بسبب هبوط أسعار النفط عالمياً وتراجع أسعار اليورو واستقرار أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية.
٦ ـ الدين العام: يقدّر بحوالي 71.8 مليار دولار ونسبته 142 % من الناتج المحلي وموزع بنسبــة 41 % للدين الخارجي و59 % للدين الداخلي. اتخذ الدين العام للناتج المحلي في السنوات الاخيرة منحى تصاعدياً.
أبرز التوصيــات:
١ ـ ضمّ كلفة تعديلات سلاسل الرتب المقسطة والمقدّرة في 2015 بحوالي 600 مليار ليرة والإجراءات الضريبية الإضافية لتمويلها المقدّرة بـ 510 مليارات ليرة والمتعلقة برفع معدل الضريبة على القيمة المضافة الى 11 % وزيادة رسم الطابع المالي على رخص البناء وزيادة الرسوم على المشروبات الروحية المستوردة، وذلك تقيداً بمبدأ شمولية الموازنة، وقد طلب رئيس مجلس النواب من وزير المال شمول الموازنة العامة مشروع سلسلة الرتب والرواتب.
٢ ـ تكثيف الاتصالات الخارجية لاحتواء أزمة النازحين السوريين.
٣ ـ إعادة النظر بأرقام مشروع الموازنة آخذاً في الاعتبار انعكاسات هبوط أسعار النفط وتراجع أسعار اليورو على التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان وعلى الإيرادات الضريبية.
٤ ـ تقليص الإنفاق الاستثماري بتأجيل بعض المشاريع بسبب عدم وجود قدرات على تنفيذها.
(&) خبير اقتصادي ومالي