رمضان شهر البركات والخيرات، شغل المؤمنين بالصيام، والسياسيين عن الحلول لأزماتهم…
وفيما السجالات تنتقل من ملف الى آخر، بين مطامر النفايات وسدود المياه، تغيب الاستحقاقات عن بال المفترض انها شأنهم، لقد أرجئت جلسة اللجان المشتركة الباحثة عن قانون أفضل للانتخابات، الى الثاني والعشرين من الجاري، على أمل ان توفّق هيئة الحوار المنعقدة في الحادي والعشرين منه، باختراع البارود، ليكون مجلس النواب على موعد مع الجلسة الحادية والأربعين لانتخاب رئيس الجمهورية في الثالث والعشرين من الشهر عينه.
ومع اقتراب المواعيد الثلاثة المتتالية، لا يبدو اهتمام الأوساط السياسية بحجم هذه المناسبات، ويكاد يقتصر الأمر على ابداء رأي، أو تأكيد موقف، انما لا مبادرة جديدة، ولا حتى مجرد فكرة للنقاش، والكل بانتظار الجلسة، للتأجيل، وليس لأي أمر آخر…
هذه الدوامة من الفراغ، لا أحد فكّر بكسرها، حتى الآن، الجميع بانتظار ارادة خارجية، تفرض على اللبنانيين ما عجزوا عن فرضه على أنفسهم.
بعض الأوساط تنعت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، بالعجز، والبعض الآخر يفضّل استخدام تعبير الاستخفاف الذي تعمل في ظلّه هذه الطبقة، ما يجعل البلد في مثل هذا السباق الدائم والمحموم، بين الأزمات والحلول.
وثمة من يميّز، بين الطبقة السياسية في لبنان وبين التركيبة الحكومية، في معرض تخفيف مسؤولية احداهما حيال الأخرى، بينما يرى الوزير رشيد درباس ان السلطة متصلة ومنفصلة في آن معاً، وهذا ما يميز علاقة رئيس المجلس نبيه بري برئيس الحكومة تمام سلام…
لكن واقع الحال يظهر ان الطبقة الحكومية الموسومة بالعجز عن معالجة أي ملف، أو حلّ أية عقدة، هي في النهاية تعبير عن الطبقة السياسية الراعية لها، والتي تحوّلت من كارتل طائفي متصارع الى تجمع سياسي متصالح، بحسب قواعد المحاصصة والمصالح، وفي ظلّ هذا التجمع السياسي، المتصالح حول السلطة، والمتخاصم على مغانمها، تخطت الجمهورية السنتين بلا رئيس، وقاربت النفايات في بعض شوارعها عمر السنة، ناهيك عن الاستقرار الأمني الحذر، والبوابات الحدودية المشرّعة.
والنتيجة من ذلك أن الاستخفاف، الذي يتحمل مسؤولية الكثير مما يواجهه لبنان الآن، من فراغ دستوري وتفكك مؤسساتي، وتحول حكومي، عن المصلحة الوطنية، الى مصلحة كل من يده له، مرشحة مفاعيله للتصاعد، في زمن لا ينتظر أحداً.
بارقة أمل وحيدة خطرت في السماء الرمضانية الراهنة، تمثلت بنقد الذات اطل به رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، مقروناً بتحمل المسؤولية، عن مواقف وخطوات، ليست بالضرورة مسؤوليته وحده، ومن دون فتح جبهات، أو غلق أبواب، أو حتى تراجع عن التزامات حيال المتسابقين الى بعبدا…
لكن بالمقابل، بقي هناك سياسيون متطيرون، أو أصحاب أغراض مقيتة، ومرتبطة بمفاعيل سيكولوجية عميقة، ومع هؤلاء، الأنا المجردة هي التي تتحكم بالارادات، وأي وصفة علاجية لحالة من تلك، تبقى عديمة الجدوى، ما لم تقترن بالابعاد الوطنية الجماعية، المتحررة من الطائفة والمذهب وحتى العائلة والعشيرة.
هذه الذهنية الضيقة المتفشية، دفعت بأحد الوزراء الى الاعتراض على صرف المخصصات السرية، لأمر المؤسسات المخابراتية والامنية في لبنان، والمسؤولة عن حماية الاستقرار الذي يميز لبنان عن سواه من دول الجوار، بداعي ان مجلس الوزراء لم يقر مخصصات جهاز امني آخر، تمتّ قيادته للوزير المذكور، بصلة مذهبية، ومن قبيل القول: ظلم في السوية عدل في الرعية… ودون ادنى خشية من انكشاف أمن البلد.
وربما غداً سيقول: ضللني الناس من حولي وكنت أنا الملام…