Site icon IMLebanon

الدولة تُفاوض لخفض إيجارات الأبنية الحكومية: ماذا عن الأسر المستأجرة؟

 

  

 

في الثالث من الشهر الجاري، أصدر رئيس الحكومة المُستقيل سعد الحريري تعميماً (رقم 37/2019) أوعز فيه إلى الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحاد البلديات والهيئات العامة «مُباشرة التفاوض مع المؤجرين بهدف تخفيض بدلات الإيجار بشكل يتناسب مع أوضاع المالية ويتماشى مع التخفيض الذي طرأ على بدلات الإيجار بشكل عام (…)».

 

هذا التعميم جاء مفصولاً عن خيار تخفيض بدلات الإيجار المُتضخّمة على الشقق السكنية لتخفيف عبء المرحلة على المُستأجرين، خصوصاً في العاصمة، وعن المُباشرة بفرض ضرائب على الشقق الشاغرة. وهو يأتي في سياق استمرار الدولة في نهج التصرّف كـ«شركة خاصّة وكأن مصالحها مفصولة عن المصلحة العامة»، وفق «مرصد السكن».

 

77 مليون دولار كلفة إيجار المباني لعام 2019

يرد في تعميم الحريري أنه «في انتظار الانتهاء من تشييد أبنية للإدارات العامة في سبيل استغناء الدولة وإداراتها الرسمية عن أعباء وتكاليف استئجار المباني والإنشاءات التي تشغلها كمراكز ومكاتب لها (…) يطلب مباشرة التفاوض مع المؤجرين (…)».

الجدير ذكره أنه، بحجة التقشّف وخفض العجز المالي، رحّلت الحكومة اللبنانية في مشروع موازنة عام 2019 كلّ الاعتمادات المفتوحة ضمن قوانين البرامج لتشييد أبنية حكومية إلى سنوات لاحقة. وخصّصت في المقابل نحو 116.9 مليار ليرة (77 مليون دولار) لتغطية كلفة إيجارات المباني والإنشاءات التي تشغلها الدولة وإداراتها كمراكز ومكاتب لها. ودفعت الدولة بين عامي 1997 و2019 نحو 1.047 مليار دولار بدل ايجارات مكاتب حكومية وعقارات. ورغم أن هذه الكلفة مرتفعة نسبياً، لم يتم تنفيذ الكثير من الخطط المرتبطة بتشييد أبنية حكومية بهدف المحافظة على الريوع الكامنة من استئجار الأبنية.

 

(هيثم الموسوي)

 

«الدولة» إذاً مشغولة بالتفاوض مع الجهات المؤجِّرة في ظلّ اشتداد الأزمة الحالية، فيما تتناسى مصير آلاف المُستأجرين الموضوعين أمام استحقاقات الدفع. وهو ما لا ينفصل عن تبعات إهمالها لعقود طويلة وضع سياسات إسكانية تحفظ الحق البديهي في السكن الذي يجب أن توفره لرعاياها. فعوضاً عن أن تسعى إلى حماية هذا الحق، سلّمت أمر المُقيمين في لبنان إلى «مزاج» السوق العقارية، في ظلّ غياب سياسة عقارية تمنع المُضاربات وغياب مؤشر رسمي لبدلات الإيجار يوفق بين الإيجار والحد الأدنى للأجور والخدمات التي يوفرها المأجور.

وبالعودة إلى التعميم، فإنّ اللافت فيه هو تضمينه «التفصيل» المرتبط بالتخفيض الذي طرأ على بدلات الإيجار، وهو أمرٌ «يُمكن البناء عليه من أجل مُساعدة المُستأجرين على التفاوض مع المالكين لخفض بدلات الإيجار»، وفق «المرصد»، لأن الظروف الراهنة تجعل من حقّ السكن في لبنان «حقاً منقوصاً»، إذ «إضافة إلى الظروف الاقتصادية الحرجة حيث سعر صرف الليرة اللبنانية بات ضبابياً، هناك خطر إضافي على شريحة واسعة من المستأجرين، خصوصاً التي أبرمت عقودها بالدولار فيما معاشاتها بالليرة اللبنانية».

وخلص محامون واقتصاديون ومنخرطون في العمل على السياسات الإسكانية، استشارهم «مرصد السكن» بشأن الخطوات التي يجب القيام بها لحماية الحق في السكن، إلى نقاط عديدة أبرزها:

أولاً، الإشارة إلى أنّ حرية التعاقد لا تعني أن الدفع بالدولار إلزامي، حتى وإن لم يذكر العقد القيمة بالليرة اللبنانية، إذ لا يحق للمالك عدم قبول العملة اللبنانية بحسب المادة ١٩٢ من قانون النقد والتسليف.

ثانياً، التأكيد أن مصرف لبنان هو الجهة الرسمية لسعر الصرف، وأي اقتراح لسعر صرف مختلف هو تحميل مخاطر سعر الصرف للمستأجرين. كما أن جميع الخدمات يُحدّد سعرها بالليرة ولا يجوز إلزام المواطن بتسديد أي فرق عملة سوى على البضائع المستوردة. وإذا امتنع المالك عن قبض الإيجار بالليرة اللبنانية، فمن الممكن إيداع المبلغ عند كاتب العدل وإرفاق إفادة بسعر الصرف الرسمي بتاريخ الدفع لحفظ الحقوق. كما يمكن إرسال بدل الإيجار من خلال برقية «ليبان بوست».

 

دفعت الدولة بين 1997 و2019 نحو 1.047 مليار دولار بدل إيجارات مكاتب حكومية وعقارات

 

 

ثالثاً، تشكيل لجان بين المستأجرين لمفاوضة المالك مجتمعين. وهذا النوع من التنظيم قد يكون مفيداً في حال اللجوء إلى كتّاب العدل لمفاوضتهم على تخفيض الرسوم ( إيداع بدل الإيجار عند كاتب العدل يكلّف نحو ١٠٠ ألف ليرة).

رابعاً، عند إبرام أي عقد إيجار جديد، يجب أن يكون البدل محدداً بالليرة اللبنانية، لأنه (الإجراء) من أسس أي سياسة سكنية جديدة، كون موظفي القطاع العام يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية.

خامساً، والأهم، فقد يقترح «المرصد»، تدخّل المُشرّع لحماية حقوق المالكين والمُستأجرين معاً لإيجاد صيغة مناسبة «لعدم تكرار سيناريوات الإيجارات القديمة، إذ لم يقدّم أي اقتراح جديّ بعد انهيار العملة عام 1984 لإعادة احتساب الإيجارات تأخذ في الاعتبار مداخيل المستأجرين والمالكين لتحقيق العدالة». ولعلّ هذا التدخّل يمكن أن «يتمظهر» من خلال اتخاذ إجراءات عديدة تتمثّل في قانون يفرض غرامة على كل عقد يبرم بالدولار، فرض ضريبة على الشقق الفارغة، ربط الإيجارات بمؤشر للتضخّم أو مؤشّر لارتفاع الحد الأدنى للأجور أو متوسّط المداخيل في القطاعين العام و/أو الخاص المقدّرة بالليرة اللبنانية، وبلورة السياسة السكنية الذي بدأ العمل عليها في المؤسسة العامة للإسكان وتقديمها إلى المجلس النيابي.