Site icon IMLebanon

رصاصة قاتلة للمارونية السياسيّة؟

يستمرّ الكلام عن التسوية الرئاسية في الصالونات السياسيّة المغلقة، وفي حين لم تتَّضح بعد تفاصيلها الكاملة، تعود الى الواجهة أزمة الاستخفاف برأي المسيحيين في الإستحقاقات الوطنيّة الأساسية، ومحاولة تجاوز الكتل المارونية الكبيرة.

على رغم أنّ رئيس الجمهورية لم يُنتخب يوماً في البرلمان، إلّا أنّ بيئته كانت راضية عنه قبل إتفاق «الطائف»، فيما شكّل الحديث عن ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بهذا الشكل تحدياً للمسيحيين، لأنه لم يُؤخذ برأي أكبر كتلتين مسيحيّتين، أيْ تكتل «التغيير والإصلاح» وكتلة «القوات اللبنانية»، في محاولة لضرب كلّ فكرة تشجّع على عودة «المارونية السياسية» الى التأثير في اللعبة الداخلية.

يقول مَن يُسوّق لإسم فرنجية بأنّ الأخير هو أحد الأقطاب الموارنة الأربعة الذين كرّستهم لقاءات بكركي الشهيرة، وبالتالي فإنّه يمثّل بيئته. لكنّ الحقيقة أنّ تلك اللقاءات كانت تهدف الى إيجاد الحلول للصراعات المسيحية، وعُقدت مع إنتخاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، حيث بدأ ولايته بحلم مصالحة الموارنة، وإنهاء الجرح الشمالي النازف بين زغرتا وبشرّي والجوار، فكان ما سُمّي لقاء الأقطاب الأربعة حيث حاول الراعي مصالحة الدكتور سمير جعجع مع فرنجية، وتبريد الأجواء بين العماد ميشال عون وجعجع. وقد رافق ذلك تشكيل لجان كثيرة في بكركي من جميع النواب الموارنة ومن بينهم مَن ينتمي الى الكتل الإسلامية.

تعلم بكركي والقوى السياسيّة أنّ أكبر قوّتين مسيحيّتين هما «القوات» و»التيار الوطني الحرّ»، وأنّ فرنجية هو ضمن تكتل «التغيير والإصلاح»، ولا يملك كتلة نيابية فضفاضة من نواب ينتمون الى أقضية جبل لبنان والشمال وزحلة وبقية المناطق.

وعلى رغم أنّ الرئيس القوي حُصر مارونياً في الأقطاب الاربعة، وقد يكون هذا خطأ لقاءات بكركي، إلّا أنّ اختيار أيّ قطب كان يجب أن يتمّ بإنتخابه في المجلس النيابي بعدما تعهّد الأقطاب بتأمين النصاب، وهذا ما لم يفعله فرنجية الذي قاطع جلسات الإنتخاب، وبالتالي يقول معارضوه لا يستطيع أن يستند الى شرعيّته المارونية من خلال لقاءات بكركي التي كرّسته قطباً، خدمة لترشيحه، ومن جهة ثانية يتنصّل من أبسط إلتزامات هذا الإجتماع، وهو تأمين نصاب الجلسات.

يُعتبر ترشيح فرنجية من الأقطاب المسلمين، رسالة شديدة اللهجة الى عون وجعجع، وبمثابة كسر لقوّتهما، خصوصاً أنّهما كانا آخر مَن علم بلقاء باريس بين الرئيس سعد الحريري وفرنجية، من هنا سؤال يطرح: هل يقبل المسلمون أن يتّفق المسيحيون مع شخص سنّي بصرف النظر عن بقية الكتل السنّية ويرشحوه لتولّي رئاسة الحكومة، أو مع شخصيّة شيعية لتولّي رئاسة مجلس النواب؟

وإذا كانت الحجّة أنّ المسيحيين لم يتفقوا على رئيس طيلة الفترة الماضية، فهل كان بإمكانهم مثلاً التنصّل من الاتفاق الذي حصل بعد تزكية الرئيس تمام سلام لرئاسة الحكومة، خصوصاً أنّه إستغرق 11 شهراً لتأليف الحكومة، فلماذا لم يخرج أحد من الموارنة ويقول لم تنجحوا، وعلينا إستبدال الإسم؟

وتتكامل التسوية التي تقترب الى حدود الإنقلاب، مع دخول رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط على خطّ تسويقها، ما «نقّز» المسيحيين أكثر، حيث يطمح جنبلاط الى سحق الاستفاقة المارونية الأخيرة على خلفية التشريع في مهدها. فالموارنة لا يثقون بجنبلاط، لأنّ التجارب معه لا تشجّع، فيما جنبلاط المعروف بتقلّباته السياسية يدفع الجميع الى الحذر منه.

وفي وقتٍ لم يُعادِ المسيحيون زعيم المختارة، جاهر هو مراراً وتكراراً بعدائه للمارونية السياسية وذهب الى حدّ وصف الموارنة بالجنس العاطل، وامتدّت يده الى رئاسة الجمهورية في محاولة لعزل وتطويق وكسر عون وجعجع، فهل يُعيّن للموارنة رئيساً من «الجنس العاطل»؟

اعتاد البعض في لبنان صَوْغ التسويات، منذ العام 1990 الى الـ2005 من دون المكوّن الماروني، واستخفّوا بالمسيحيين، واعتبروهم غير موجودين، وبالتالي إنّ مجيئهم بفرنجية بهذا الشكل، يُعَدّ صفعة للإرادة المسيحية، واستكمالاً لمنطق الإلغاء والإستفراد حسب رأي مصادر عون، لذلك فإنّ الخطوات بين الرابية ومعراب تحضّر جيداً، والردّ سيكون في الوقت المناسب لأنّه معروف عن جعجع وعون أنهما لا ينكسران ولن يسمحا بتمرير صفقة على حساب مستقبل الموارنة ولبنان.