IMLebanon

مطبّ بين «البلدي» و«النيابي»

لا جدال في موضوعية المطالبة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات النيابية، ولكن تبرير ذلك بربطه بنجاح الانتخابات البلدية والاختيارية، كلياً أم في مرحلة من مراحلها الثلاث، غير جائز وقد يكون معبراً عن مفهوم خاطئ لما يعنيه استحقاق الانتخابات النيابية يجهد معظم السياسيين وأصحاب «الحول والطوع» لتجذيره في نفوس المواطنين.

فالانتخابات البلدية والاختيارية محكومة بالدرجة الأولى، وربّما الوحيدة، في معظم دوائرها بتسيير أمور البلدة الخدمية ،وجميع المقترعين فيها يعرفون بعضهم «حلاً ونسباً» كما يُقال. وهم معزولون في هذا الاستحقاق عن غيرهم من القرى والبلدات، حتى تلك التي هي على تماس مباشر مع بعضها، ولذلك فإن المقترعين فيها يتحررون من سياساتهم بنسبة كبيرة. وفي كثير من الحالات يعود المتنافسون في اللوائح إلى الاصطفاف مع بعضهم في الانتخابات النيابية.

وبهذا المعنى فإن صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية تنشأ من مجموعة أصوات مؤيدة لمرشح ما، بعد ان كانت في البلديات تخوض المعركة في مواجهة بعضها، والعكس صحيح أيضاً. ولذلك فإن تعويم الانتخابات البلدية في المواقف من الانتخابات النيابية، هو الطريق الأسهل لعدم حصول اختراق في ذهن «المقترع النيابي» الذي يؤهله للانتقال من «مقترع بلدي إلى مقترع نيابي». فهذا الاختراق ينقل الأوضاع السياسية من حال إلى حال. وهذه مسؤولية المواطن المقترع قبل أي جهة أخرى.

فكما أن البلديات تكتسب أهميتها ودورها من الصلاحيات المنوطة بها، هكذا الانتخابات النيابية وبالتالي مجلس النواب. فالنيابة تنتخب رئيس الجمهورية بدلاً من تعيين شرطي فيها، والنيابة تختار رئيس الحكومة، وهي التي تمنح أو تحجب الثقة عن الحكومات. والنيابة هي مَن تراقب سياسات الدولة وتضبطها وتتخذ إجراءات قانونية في شأنها إذا شاءت… فكيف يمكن في ظل مثل هذه المعطيات أن يكون النجاح في الاستحقاق البلدي، مؤشراً على نجاح أو عدم نجاح الاستحقاق النيابي ما زالت ماهية الاستحقاقات متنافرة متعارضة؟

وهنا تجب الإشارة، ولو استطراداً، إلى ان العابثين بالأوضاع الأمنية لا يأبهون للانتخابات البلدية والاختيارية لكونها لا تؤثر على ما يريدون. أما الانتخابات النيابية، وفي الدور المنوط بالنيابة، فهو شأن آخر. ولهذا فإن المراهنة على انسحاب «الأمن البلدي» على «الأمن النيابي» غير دقيق. وإن كانت هذه الملاحظة ليست دعوة معارضة لإجراء الانتخابات النيابية، إنما لاتخاذ الإجراءات التي يستحقها ويتطلبها مثل هذا الاستحقاق، إذا ما شاء الله ليعود معظم رجال السياسة عندنا إلى رشدهم وضميرهم.