Site icon IMLebanon

إدفنوا صيغة 1943 قبل فوات الأوان

 

لو ان العاقلين الوطنيين الكبار الذين وضعوا صيغة عيش اللبنانيين الواحد في العام 1943، استشرفوا المستقبل وتنبّهوا الى عقبات ومطبّات وتغيّرات قد تحصل في لبنان وتضرب الصيغة وتشوّهها وتجوّفها وتفرغها من مضمونها الحضاري والانساني والثقافي والوطني، لما كان المرحومان الكبيران بشارة الخوري ورياض الصلح، اقدما على هذه الخطوة التي عاش اللبنانيون في ظلها منذ العام 1943 وحتى يومنا هذا، على الرغم من كل ما أصابها من وهن وتجاوز و«شرشحة» على مدى 74 سنة، امّا بسبب الموجات غير المنتظرة التي اجتاحت لبنان، وامّا بسبب خلافات اللبنانيين بين بعضهم بعضاً.

سأذكر بالتوالي الزلازل والحالات التي هزّت الصيغة وبدأت تقصقص جوانحها، وابدأ بزلزال سقوط فلسطين في قبضة الصهاينة، ولجوء حوالى مليون فلسطيني الى الدول المجاورة لفلسطين وانعكاس هذا اللجوء على الداخل اللبناني منذ العام 1948، وما زال قائما.

في العام 1952 ضرب لبنان زلزال ثان اسمه جمال عبد الناصر، الذي كوكب حوله مشاعر المسلمين في العالم العربي وفي لبنان طبعاً وبدأت التظاهرات والدعوات خصوصاً بعد وحدة مصر وسوريا، الى ضم لبنان الى هذه الوحدة، ما تسبب باندلاع احداث العام 1958 الدموية.

على الرغم من محاولة انقلاب عسكري قام به عدد من الضباط والجنود ومدنيين مسلحين، وجميعهم ينتسبون الى الحزب القومي السوري في لبنان وسوريا، لم يعمّر سوى ساعات، وكان يستهدف رئيس الجمهورية اللواء فؤاد شهاب في العام 1962، الاّ ان الأمن بقي ممسوكاً حتى العام 1969 عندما قام مسلّحون فلسطينيون تابعون لحركة فتح، وللجبهة الشعبية ومسلّحون لبنانيون تابعون للحركة الوطنية والحركات الاسلامية، بتظاهرة مسلّحة من امام كلية المقاصد باتجاه ساحة الشهداء، فاصطدمت بقوى الأمن وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى من الطرفين، وكانت تلك المظاهرة نذيراً بتهاوي صيغة 1943 امام منطق القوة والسلاح، وبداية تنازل الدولة اللبنانية عندما قبلت في العام 1970 باتفاق القاهرة الذي سمح باقتطاع مساحات من الارض في جنوب لبنان، ليقوم المسلّحون الفلسطينيون والعرب واللبنانيون بعمليات عسكرية ضد المستعمرات الاسرائيلية على طول الحدود مع اسرائيل، وكانت اسرائيل في المقابل تشن غارات على القرى والبلدات اللبنانية وتدخل وتدمّر وتقتل وتأسر.

بداية انهيار صيغة 1943 عملياً، بدأت في العام 1973 عندما تخلّت السلطات اللبنانية عن سيادتها على المخيمات للمسلحين الفلسطينيين، ونشبت الحرب في العام 1975، عندما اضطرت المناطق ذات الغالبية المسيحية، الى مواجهة المسلّحين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، بعدما انقسم الجيش اللبناني طائفياً، وانقسم معه لبنان واللبنانيون، ولم تعد هناك قيمة للعقل والصيغ والقوانين.

عندما يقتل الجار جاره، والجندي رفيقه، والموظف زميله، اي صيغة بعد يمكن ان تجمع بينهم؟!

وعندما يصبح المسلّح الغريب هو الحاكم بأمره في اكثر من نصف البلاد، اي قوانين تبقى صالحة لحماية صيغة 1943 المهشّمة اصلاً؟!

واذا تجاوزنا الحرب ووصلنا الى الطائف، والوصاية السورية والتطبيق المنحرف للطائف، واضطهاد المسيحيين لفترة طويلة، والحرب مع اسرائىل على جولات قاتلة ومدمّرة، وزلزال اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري وعدد من قيادات وشخصيات معارضة للنظام السوري، والربيع العربي الذي أكل الأخضر واليابس في عدد من الدول العربية، وبروز قتلة يدعون انهم مسلمون، استباحوا كل شيء في العالم العربي وخارجه، هل يمكن للبناني عاقل بعد كل ما جرى، وبعد كل ما سوف يجري، ان يفكر في أن صيغة 1943 الهرمة المكرسحة المثخنة بالجراح، ما تزال قادرة على لمّ شمل اللبنانيين، او ان المنطق يحكم بوجوب ايجاد صيغة جديدة، تريح اللبنانيين، جميع اللبنانيين، وتحول بينهم وبين جولات عديدة من العنف، لا شك آتية ان لم نستعجل الخلاص. اقتراح للمناقشة.