اسوأ ما في السياسة أن ليس فيها صداقة ولا وفاء، وأن الأخ مستعدّ لبيع أخيه ورفاق دربه إذا ما لاحت أمامه فرصة للربح. تسقط الشعارات والعناوين الكبرى، وتُفتى الإجتهادات لتبرير التحوّلات، وتنتعش المزايدات في موسم المزادات.
كثُرت التنازلات وتعدَّدت الإهداءات. والغريب، ليس أن زعماء «14 آذار» يتهافتون على إيصال مرشّح من خصومهم في «8 آذار» الى رئاسة الجمهورية، بل إن المفاجأة تكمُن في عدم حماسة قيادة «8 آذار» في قبول هذه الهدايا.
يقرعون طبول الحرب، ويتسابقون إلى خوض معركة رئاسية لم يَحُن أوانها، ولا اكتمل نضوجها. ولا شيء في الأفق يشي باقتراب موعدها واستعداد القوى المؤثرة فيها، لتمرير كلمة السرّ وإعطاء الضوء الأخضر لإتمام الإستحقاق الرئاسي.
وعلى رغم وفرة المفاجآت في تبنّي الترشيحَين الصَعبين، وانقلاب المواقف والإصطفافات، لا يملك أي فريق من اللاعبين المحليين خطة بديلة للخروج من المأزق السياسي الذي يحجر على انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ نحو سنة وثمانية أشهر.
إندثر ما بين المرشِّحَين سعد الحريري وسمير جعجع، وانكسر ما بين المرشَّحين ميشال عون وسليمان فرنجية، ولن يُصلح اتصالٌ أو موقف مجامل بين حلفاء الأمس، في الودّ قضية.
وبات جلياً أن هناك تنسيقاً عميقاً بين الرئيس نبيه بري والحريري في استيعاب مفاجآت الترشيح، وتعطيل مفاعيلها في جلسة الإقتراع في 8 شباط المقبل.
لن يقبل «حزب الله» أن تكون معراب مقرّ الزعامة في مقابل الرئاسة لعون، كما لم يقبل أن يكون بيت الوسط الممر لانتخاب فرنجية رئيساً. سيتعب كثيرون في اجتهادات الترشيح، وتكتلات التصدي لها، وسيهدرون وقتاً طويلاً في حسابات تكتيكية للربح والخسارة، وليس بينهم رابح فعلاً، بخلاف «الحزب» الذي لن يحيد عن استراتيجيّته، ولن يُضيِّع بوصلة معاركه وأهدافه، ولن يتوهّم بما لا يمكن إنجازه في لبنان، بمعزل عمّا يُعَدّ للمنطقة من مشاريع جيوسياسية وكيانية وأنظمة مركّبة.
لم تقفل الترشيحات على الأسماء المعلنة حتى الساعة، لأن المعركة الفعلية لم تطلق بعد. ولا أحد يستطيع الجزم بأن حظوظ الرؤساء التوافقيّين إنتفت. ومن يتسرّع ويحرق المراحل اليوم سيتعب غداً، ويكتشف أنه حرق الأسماء والخيارات.
وما يراه البعض في هذه المرحلة جمعاً لأوراق القوة في السباق الى الرئاسة الأولى، قد يكون حرقاً للأسماء والأوراق والمراحل، عندما تسلك مسارات الحلول في اليمن والعراق وسوريا تحديداً. لكن الطريق طويل ووعر، ولم يتعب المحاربون ولا المخططون ولا المستفيدون من الحروب وتفكّك الأنظمة.
المرحلة ليست مرحلة البحث عن رئيس، وإنما مرحلة البحث عن نظام وعقد سياسي-أمني-إقتصادي جديد.