Site icon IMLebanon

لبنان كلّه في “البوسطة”

 

أن تصبح العلاقة بين حزبين من طائفتين لبنانيتين هي المعيار للحماية وسيادة الأمن.. وأن تصبّ العلاقة بين حزبين من طائفة واحدة أيضاً في مفهوم الحماية وإن على حساب الإصلاح… فذلك لعمري ما يؤشّر إلى أنّ لبنان كله يتحضّر لينحشر في بوسطة عين الرمانة التي أطلقت شرارة الحرب الأهلية.

 

ومن عايش الحرب الأهلية يشم ّرائحتها هذه الأيام.. ولكنّه يلاحظ أنّ آلية تفجير صواعقها معكوسة. ففي الماضي، فرَّخت الحرب قتلاً على الهوية وفرزاً بين اللبنانيين وتهجيراً ومذابح وإنعزالاً وتقوقعاً للطوائف والمذاهب، كلّ في منطقته. ناهيك عن التفجيرات والتصفيات والإغتيالات.

 

وفي السياق، ولَّدت أزمات متلاحقة أدّت إلى نشوء أسواق سوداء حيث تمّ التلاعب بأسعار السلع بعد إخفائها واحتكار توزيعها. وكانت السيطرة لقادة الميليشيات، وإلادارة لقادة المحاور… وانهارت قيمة العملة الوطنية وارتفع الدولار بالتدريج من الليرتين والنصف وصولاً الى الألف وخمسمئة ليرة، مع ما تخللّ محطّات هذه الحرب من أزمات معيشية وإجتماعية، وطوابير يقف فيها المواطنون بالصفّ ليحصلوا على ربطة خبز او صفيحة بنزين.

 

في المقابل، نعيش هذه المرحلة ظروفاً مماثلة لما كان يجري خلال الحرب، وإن غابت المعارك والجولات والقصف والقنص. إلا أنّ العدّة ومسلتزماتها حاضرة. يسيطر عليها ويفتعلها ويروّج لها ويستفيد منها أصحاب الحظوة من ميليشيات الأمر الواقع الذين أمسكوا زمام السلطة من أثرياء الفساد، بعدما حصدوا خيرات مرحلة التقاتل الأهلي.

 

فقد بدأ مشروع إعادة لبنان واللبنانيين بكل أطيافهم إلى بوسطة عين الرمانة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما رافقه من تفجيرات في المناطق المصنّفة مسيحية، بداية، ومن ثم مواصلة مسلسل الاغتيالات للقضاء على الأكثرية النيابية لسياسييّ “14 آذار” في حينه، وكذلك قادة الرأي، وصولاً الى يوم 7 أيار المجيد وما تلاه من وضع يد على الدولة بكلّ مرافقها ومؤسساتها. وحالياً، نحن نعيش الإنهيار الممنهج لقيمة العملة الوطنية، وما يرافقها من أزمات تتعلّق بالمواد الأساسية للحياة اليومية للمواطن، وغياب الدولة ومؤسساتها والفوضى الضاربة أطنابها في كل المرافق والقرارات والعشوائيات السلطوية.

 

والأهمّ في خضمّ هذه الفوضى، ما نشهده من أزمات سياسية مفتعلة تضعف كلّ الخصوم السياسيين من أركان المنظومة. ففي لحظة تنفجر البيانات والصراعات وتُفتح الدفاتر القديمة وتُرفع المتاريس القديمة وتحفر الخنادق القديمة… واصعدوا إلى البوسطة، بتأثير الحروب المقتصرة على الكلام والإعلام، حتى تاريخه، بين الجميع، باستثناء الحاكم بأمره الذي يلعب دور المايسترو متى يشاء، ويوحي بأنه صمّام الأمان متى يشاء، ويتمركز في الوسط متى يشاء، ويتفرّج متى يشاء، ويتدخّل متى يشاء، ويصطفّ متى يشاء، ويحايد متى يشاء.

 

وبالتزامن مع كلّ مراتبه ومقاماته، يواصل مشاريعه تطبيقاً لإستراتيجيته، يبني ما يريد بناءه، في حين يُخَرِّب الآخرون ما كان بنياناً في بيئتهم، يستعيدون أمجاد حقبتهم العسكرية، ويتباهون بها ويعيرون بعضهم البعض بأنهم كانوا على حقّ والآخر على خطأ. ولا أحد أفضل من الآخر، يصنّفون أنفسهم مقاومين على طريقتهم. ينبشون القبور ويحرِّضون ويثيرون الغرائز والإصطفافات.. ويتباهون بالدم الذي دفعوه ثمناً لمقاومتهم…

 

دم… دم… ومن كان وليّ الدم يجب أن يقبض تعويضه من السلطة… ومن كان من عامة الشعب، فتعويضه جرّاء انتخاب هذه المنظومة… كرتونة إعاشة وبطاقة تموينية وحجز مقعد في بوسطة عين الرمانة.