Site icon IMLebanon

بزنس رأسماله فكرة وصفحة و”كابشن” و”مَنشن”

 

من دون دعم ولا من يدعمون… شباب يبتكرون حلولاً للبطالة

 

امام الأفق المسدود في وجوههم، يحاول شباب لبنان ان يبتكروا حلولاً تخلق فجوة في جدار البطالة والانتظار. يخرجون بأفكار جديدة، مبتكرة يحوّلون خبراتهم او هواياتهم الى أعمال صغيرة يطلقونها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لتؤمن لهم مدخولاً يشكل “البحصة” التي تسند “خابية” الأهل. بزنس مختصر رأسماله فكرة وعدّته صفحة إنستغرام او فيسبوك ومعرفة عفوية بوسائل التسويق أونلاين: صورة، كلمة، كابشن ومنشن وينطلق المشروع. إنه عزم الشباب يقف في وجه التحديات.

 

من رحم البطالة والحَجر والقلّة تولد أفكار سرعان ما تتحول الى بذرة مشروع يحتاج الى جرأة وحماسة ليختمر وينمو ويخرج الى النور. الشباب الذين وجدوا أنفسهم في أول مرحلة عطائهم قابعين في البيت “لا شغلة ولا عملة” في انتظار الفرص، لم يستسلموا ولم يرتموا في احضان الفراغ. كثر منهم خرجوا بأفكار بسيطة رأوا فيها احتمال نجاح مرتكز على خبرة اكتسبوها من الدراسة او من أعمال سابقة، وعلى شغف يقود خطواتهم. لم ينتظروا رأسمالاً، ولم يطلبوا مساعدة اتكلوا على أنفسهم وانطلقوا، فامتلأت صفحات الانستغرام بأنواع جديدة من البزنس تبشر بمستقبل واعد.

 

قصص نجاح

 

مروان وريان شابان في بداية العشرينات، أحدهما خريج كلية إدارة الفنادق والآخر خريج هندسة داخلية، تعوّدا السهر مع الرفاق في الجميزة ومار مخايل وبرمانا. فكرة مشروعهما ولدت صدفة في جلسة بيتية وسط الاصدقاء حيث كان هؤلاء يعبّرون عن مللهم واشتياقهم للسهر. حينها قام مروان بتحضير المشروب لرفاقه بيتياً وفقا لخبرته السابقة كـ”بارتندر”، وهنا لمعت الفكرة في رأس الأصدقاء: لمَ لا تقوم بتحضير كوكتيلات جاهزة تبيعها للاصدقاء؟ تحمس ريان للفكرة ومعاً رسما الخطوط العريضة لها، وضعا الإسم وصمّما اللوغو والديزاين مع إحدى الصديقات، وقاما بشراء ما يلزم. ومن مطبخ البيت ومعداته انطلق مشروع “anine”، بعض العثرات واجهت البداية بالطبع لكنهما أصرّا على ان يتمّا كل شيء بأعلى المعايير.

 

مروان تولى الشق التقني بينما ريان تولى الناحية التسويقية، وأطلقا صفحة على انستغرام وبفعالية كبيرة وحماسة تحسب لهما قاما بحملة تسويقية عبرها وهكذا وبسرعة قياسية انتشر خبر مشروعهما وبدأت تصلهما طلبات فاقت توقعاتهما واستعداداتهما… ويقول مروان: معظم المشروب المستخدم صناعة وطنية من الويسكي الى الجن والفودكا والعرق لتأمين سعر معقول لكل زجاجة كوكتيل. اما الإضافات من حبق وحامض وتوت كلها من محلات الخضار القريبة. وهكذا بعمل بيتي بسيط استطاع الشابان ان يؤمّنا مدخولاً لا باس به لكل منهما ويساهما في تحريك العجلة الاقتصادية في محيطهما ولو قليلاً…

 

هذا نموذج لكثيرمن الأعمال الصغيرة التي بدأ يطلقها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستغلين مواهبهم و مهاراتهم المختلفة. بعض الأفكار غريب الى درجة لا تصدق، فأحمد مثلاً استطاع عبر استخدام تطبيق Sky map ان يحوّل هوايته وشغفه بمراقبة السماء ليلاً الى بزنس مربح بدون اية تكلفة او رأسمال حيث يقوم بتحويل موقع النجوم في ليلة معينة الى لوحة يقدمها الى الزبائن الذي يطلبون منه ذلك تخليداً لذكرى معينة في حياتهم مثل الزواج او ولادة طفل وغيره.

 

نادر مثلاً استفاد من حبّه للرياضة وفوزه بمباريات عديدة في الفنون القتالية ليتحول الى مدرب شخصي يصوّر فيديوات لتمارين غب الطلب يدفع المهتمون ثمنها.

 

أما شانتال فحوّلت الشغف بتحضير الحلويات والمخبوزات البيتية الذي ورثته عن أمها الى بزنس رابح فيما تاليا عمدت الى شراء وبيع الكتب المستعملة لجمع مدخول بسيط يساعدها في حياتها اليومية.

 

سالي ابو حرفوش موظفة في مصرف، خريجة اقتصاد وام لطفلين استطاعت بسهولة التوفيق بين مهماتها هذه وعملها الذي اطلقته مؤخراً على انستغرام وهو صناعة الشموع المبتكرة العالية الجودة. تقول سالي: منذ ثمانية اشهر وانا أمارس وظيفتي من البيت وأبرمج وقتي بطريقة مختلفة. وقد أدركت ان فرصة البقاء في البيت لن تتكرر لذا فكرت في القيام خلالها بشيء أحبه وخطرت لي فكرة تصنيع الشمع وهي فكرة بسيطة لا تحتاج الى رأسمال كبير لكنني اردت التميّز بما اقوم به من خلال اعتماد نوع راق من الشمع مصنوع من الصويا وليس البارافين. أجريت أبحاثاً كثيرة اونلاين لأتعلم صناعة لم أكن أعرف عنها شيئاً وسعيت لإيجاد اسلوب خاص بي من خلال إضافة الزيوت والازهار الصغيرة الى الشموع. وحدي اشتغلت على اللوغو والاسم والصور والمفهوم العام للصفحة تقول سالي. اردت اسماً لافتاً وله معنى فكان فعل Mysa السويدي الذي يعني الاحساس بالراحة في البيت هو المنطلق لفتح صفحتي الخاصة على انستغرام. حيث كنت نشطة جداً وبدأت منشوراتي اليومية تحظى بمتابعة. وعملت على تسويق الشموع من خلال رسائل ونماذج عنها كنت ارسلها الى المؤثرات على مواقع التواصل فيعدن نشرها على صفحاتهن. وما هو إلا شهر حتى بدأت الطلبيات تأتيني من أنحاء مختلفة من لبنان بعد ان كانت مقتصرة على الأصدقاء، عندها أحسست أن النجاح قد انطلق وبدأت أتلقى عروضا من جمعيات للمشاركة في معارض ميلادية.

 

صحيح ان هامش الربح اليوم قليل عندي لأن المواد التي استخدمها مرتفعة الثمن بسبب نوعيتها العالية، لكن المشكلة ان الدولار يسبقنا، فما نبيعه اليوم بسعر محدد قد لا نستطيع بيعه في الطلبية المقبلة بالسعر ذاته نظراً الى الارتفاع المستمر في سعر المواد الأولية.

 

فورة أم استمرارية؟

 

هذه الأعمال الصغيرة التي نشأت في خضم المحنة الصحية والاقتصادية هل هي مؤهلة للاستمرار، وما هي نصائح الخبراء لإنجاحها وديمومتها؟

 

معايير النجاح في هذه الأعمال الصغيرة تلخصها الاستشارية في التسويق والاستاذة الجامعية تينا روس بالآتي: اولا، أن يكون صاحب الفكرة شغوفاً بما يقوم به حتى يمتلك الصبر وطول البال المطلوبين للنجاح. ثانياً، ان يمتلك القوة المعنوية الكافية لمواجهة الظروف الخارجية المعاكسة وما أكثرها في لبنان وآراء الناس غير المشجعة التي تشكك بالنتيجة وتثبط من عزيمته.

 

تسويقيا يعتبر التواصل الصحيح أداة التسويق الأساسية التي تسمح بإنطلاقة البزنس واستمراريته. فعلى صاحب المشروع ان يخلق لدى الناس اهتماماً بفكرته او الماركة التي يعمل عليها، ويولّد لديهم إحساساً إيجابياً تجاهها بحيث تنشأ بينهم وبينها علاقة عبرالقصص التي ترويها الماركة عن نفسها من خلال منصات التواصل الاجتماعي او الموقع الالكتروني او حتى اللوحات الإعلانية. والمذهل في الأمر اليوم ان هذه العلاقة مع الزبائن باتت سهلة لا تحتاج الى ميزانية كبيرة لأن مواقع التواصل صارت واجهة للماركة تقدمها بأفضل الطرق. وهذه العلاقة يجب تمتينها عبر حوار دائم مع الزبون ليشعر وكأنه شريك في القرارات وليس متلقياً فقط. كما يجب ان تكون علاقة متواصلة يتم فيها الاصغاء دوماً الى احتياجات الزبائن المتغيّرة وفق الظروف.

 

تؤكد تينا روس انه في مجال التسويق اليوم تلعب الصورة دوراً اساسياً أقوى من الكلمة وحتى من الفيديو. فالزبون وفق الدراسات، قادر على التركيز لمدة 3 ثوان فقط في ظل هذا الدفق من الصور والمعلومات التي يتلقاها، لذا على صاحب الماركة المعينة أن يتميز بجتذب انتباه الزبون عبر نوعية الصور التي يقدمها لجعله يتوقف عندها في حين أنه يرى الكثير مثلها في اليوم الواحد. كذلك عليه العمل باستمرار على تطوير الماركة والحرص على مراقبة كل الأدوات الجديدة على مواقع التواصل بغية الاستفادة منها. ولكن ما تحذّر منه تينا هو السعي الى الربح على حساب العلاقة مع الزبائن وتنصح كل مغامر ينطلق بعمله الخاص ان يقدم المحتوى الجيد على وسائل التواصل ليبقي العلاقة الصحيحة قائمة مع الزبائن.

 

في البداية يمكن لكل شاب، بميزانيته القليلة، ان يعتمد على نفسه في التصميم والتسويق والتواصل والعلاقات العامة، وكل هذه الأمور بات من الممكن تعلمها عبر فيديوات تعليمية، لكن يبقى الأهم ان يمتلك الصبر الذي سيكون سلاحه الأهم في البداية حتى يصل الى مستوى معين من النجاح كما عليه ان يضع خطة واضحة وتنظيماً صحيحاً للوصول الى هدفه. ومتى بدأ يرتقي سلم النجاح يستطيع حينها الاستعانة بمختصين لتكبير ماركته وتثبيتها. أما الرسالة التي توجّهها للشباب الذين ينطلقون بعملهم الخاص فهي: لا تخافوا لأن الشغف يولّد الجرأة، الصعوبات ستبقى دائما موجودة ولكن من يمتلك الشغف والصبر وبعد النظر وادوات التواصل الصحيح يبقى ويستمر.

 

صمود في مرحلة صعبة

 

توجّهنا الى الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم لنسأله عن مدى مساهمة هذه الأعمال الصغيرة في دفع عجلة الاقتصاد الى الأمام وهل يمكن ان تشكل الحل البديل للركود الاقتصادي؟

 

الجواب بحسب الحكيّم، ان هذه الأعمال إنما تساعد الشباب على الصمود وتقطيع هذه المرحلة الصعبة لكنها لا تعتبر “بزنس” حقيقياً رغم أن بعضها قابل للنمو والتطور. فالبزنس له أسس لا تتوافر في معظم هذه الأعمال الصغيرة التي تحتاج الى تطوير لأفكارها والتحدي الذي يواجهها هو الاستدامة. فالفكرة الأوريجينال لا تكفي وحدها للاستمرارية بل ان النجاح يتأمّن من خلال حاجة الناس الى هذه الخدمات. برأيه هي مبادرات فردية تعبر عن إبداع وإصرار على الصمود لكن ليس كلها قابل للعيش، لا تلقى مواكبة ولا دعماً من اية جهة في حين انه في دول أخرى يلقى الشباب التشجيع وينالون رواتب مقابل أفكارهم وأعمالهم. فهم رغم امتلاكهم الحماسة والخبرة ليسوا قادرين مثلاً على الحصول على قروض من المصارف لتفعيل أعمالهم او الحصول على الـ”فريش موني” لتسويقها لكنهم يساهمون على “قدّهم” ببعض الحركة الاقتصادية الخجولة.

 

ويرى الخبير الحكيّم ختاماً انه يكفي هؤلاء الشباب فخراً شرف المحاولة وكل حركة لا شك فيها بركة ولكن المدخل الى الحل في لبنان هو اعتماد اقتصاد المعرفة القادر على تأمين مردود سريع بدون استثمارات كبيرة خاصة وان لبنان يمتلك الكفاءات الفكرية لهذا النوع من الاقتصاد.