ليس أمرا قليل الدلالات ان يستسهل كثيرون سياسة اللعب على حافة الهاوية في بلد التسويات. لا فقط حافة الهاوية الداخلية في موضوع الانتخابات النيابية بل أيضا حافة الهاوية الخارجية في ملفات السلاح والصراع مع اسرائيل والصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها والذي مركزه حرب سوريا. فالذين فشلوا على مدى ثماني سنوات في الاتفاق على قانون انتخاب يراهنون على اتفاق في ربع الساعة الأخير. وما يتّكلون عليه هو أعجوبة في بلد الغرائب والعجائب، بعدما انتهى زمن الاتكال على هبوط الوحي الاقليمي.
ولا شيء ينطبق علينا أكثر من قول انشتاين ان تكرار التجربة على المواد نفسها وبالوسائل نفسها، وتوقع نتيجة مختلفة هو ضرب من الجنون. ولا جدوى بالتالي من تكرار الاجتماعات وتنويع اللجان والبحث من خارج المؤسسات والدعوات الى ان يتولى مجلس الوزراء اعداد مشروع قانون والى التصويت في المجلس النيابي على مشاريع القوانين الموجودة في الجارور. فالمشكلة في مقاربة البحث في كل الصيغ التي جرى تقديمها. وهي بالطبع المقاربة التي يحرص عبرها كل طرف على قانون يضمن له سلفا تكبير حجمه النيابي وتصغير حجم سواه. والتوصل الى قانون من خلال هذه المقاربة هو مهمة مستحيلة.
واذا كان اللعب على حافة الهاوية هو المشهد الواقعي أمامنا، فان السؤال هو: هل هذا كل ما في المشهد؟ ماذا لو كان هناك من يراهن على الوقوع في الهاوية للخروج من الوضع العادي المأزوم الى وضع استثنائي يفتح باب خيارات غير عادية ولا مألوفة في لبنان؟ وماذا لو كان منطق الداعين الى الحكمة والتبصّر بالمخاطر على البلد في مرحلة اضطرابات ومغامرات اقليمية ودولية يصطدم بالقوى التي ترى في الاضطراب الاقليمي والاهتزاز الأميركي في بداية رئاسة دونالد ترامب والاستراتيجية الروسية في سوريا ومن خلالها، فرصة للامساك بالبلد ضمن مرحلة متقدمة في صراع المشاريع الاقليمية؟
مهما يكن، فان من الوهم تجاهل معنى الخلاف على قانون الانتخاب حتى بعد مأزق اللعب على حافة الهاوية. والمعنى البسيط لذلك ان النظام الطائفي وصل الى أعلى مراحل الافلاس، وان التركيبة السياسية عاجزة عن تسيير السلطة وادارة شؤون الناس. لكن المشكلة ان النظام المفلس قوي جدا، وأقوى نظام في المنطقة. فالبديل الطبيعي منه، وهو النظام الوطني اللاطائفي في مجتمع لاطائفي ودولة مواطنين، ليس ممكنا في المنطقة المتشنجة والغارقة في صراع مذهبي. والمشكلة أيضا ان التركيبة السياسية العاجزة عصيّة على التغيير، لأنها تمسك بالمفتاح الذي يفتح باب النادي السياسي أو يبقيه مغلقا، وهو قانون الانتخاب.