الرئيس سعد الحريري، تمكن في اطلالته التلفزيونية وبفضل مواقفه المرنة والهادئة والموازنة ليس فقط من احراج الذين اطلقوا النار مسبقاً على ما سيقوله في هذه الإطلالة وما يقوله لا يمكن الاعتداد به بل وضع الأمور في نصابها الصحيح، واضعاً الجميع امام مسؤولياتهم الوطنية، فإما أن يحافظ لبنان على هويته العربية وعلى التزاماته تجاه الدول العربية والعالم الخارجي، وإما أن يستمر مخطوفاً يغرد خارج سربه، ويدفع بسبب ذلك اثماناً غالية جداً من مستقبله ومستقبل أبنائه وعيشهم الواحد في كنف دولة مستقلة ذات سيادة وعلى قاعدة لبنان أولاً.
فما جاء في المقابلة التلفزيونية لم يختلف من حيث المضمون قيد أنملة عمّا جاء في نص الاستقالة التي نزلت على الجميع كالصاعقة، وما قاله منذ أسبوع بنبرة عالية عاد وأكّد عليه في مقابلته بكل هدوء وإتزان، حاملاً على خروج حزب الله عن التسوية التاريخية التي انقذت لبنان من مخاطر كبيرة، وخروجه على سياسة النأي بالنفس والحياد بالنسبة إلى الصراعات العربية بترحله في الميادين العربية بدءاً من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن، وشريكاً اساسياً في سياسة زعزعة الأمن العربي بل وتخريب الدول العربية التي تعتمدها الدولة الإيرانية، ومجدداً التأكيد على ان ما طرح في خطاب الاستقالة كان هدفه الأوّل والأخير ليس قلب الطاولة على رؤوس الجميع بل إحداث صدمة إيجابية لعل حزب الله والسائرين في ركابه من لبنانيين يعون خطورة ما يفعلونه على مستقبل لبنان، ويبادرون إلى إعادة النظر بما يفعلونه لأنه السبيل الوحيد لإنقاذ التسوية المهزوزة، وإبعاد الاخطار عن بلدهم التي تهدده تصرفاتهم البعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية ولبنان أولاً.
يأمل اللبنانيون ان يكون حزب الله والمتحالفون معه قد تفهموا هذه الرسالة من الرئيس سعد الحريري، وقرروا إعادة النظر في اجنداتهم الخارجية لمصلحة بلدهم وشعبه وليس لأية مصالح خارجية أو إقليمية أخرى، وعندها تصبح كل الأبواب مشرعة لإعادة احياء التسوية التي وضعت لبنان على السكة الصحيحة، وتصبح الاستقالة قد حققت اغراضها التي ارادها من وراءها ومنها بطبيعة الحال عودته عن هذه الاستقالة، لكي تكمل الحكومة مسيرة النهوض والاشراف على الانتخابات النيابية التي لا بدّ وأن تعيد تكوين السلطة وينتظم العمل في المؤسسات وفق أجندة داخلية يساهم الجميع في صياغة افكارها وبنودها.
السؤال بعد المقابلة التلفزيونية لم يعد يوجه إلى الرئيس الحريري الذي قال كلمته كرجل دولة ومشى بل موجه بصورة أساسية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تصرف حيال استقالة الحريري بمسؤولية عالية، هل يلتزم بسياسة النأي بالنفس التي هي شرط الحريري للعودة عن الاستقالة ويلزم حزب الله وإعلان خروجه من الساحات العربية ووقف العمل على تنفيذ اجندات إيران وهل يكرّس هذا الالتزام عملياً وليس على الورق، وتستمر السياسة ذاتها التي دفعت إلى الاستقالة أم أن الأمور خارجة عن إرادة رئيس البلاد وليس بالإمكان إحداث أي تغيير في الاجندات وعندها فالاستقالة ثابتة ولا عودة عنها وليتحمل كل واحد مسؤولياته في ظل أخطر مرحلة يمر بها الوطن.