من المؤكّد حتى الآن أنّ عملية انتخاب رئيس الجمهورية العتيد لن تجري في الجلسة الخامسة والثلاثين لمجلس النوّاب المقرّرة في 8 شباط المقبل. فرغم أنّ ترشيح رئيس القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون للرئاسة قد أعاد الملف الرئاسي الى الواجهة بعد أن اختفى عن الساحة لفترة طويلة، إلاّ أنّه لم يتمكّن بعد من إرضاء الأفرقاء كافة في الوطن والخارج، من أجل توافقهم على انتخاب الجنرال عون دون سواه رئيساً للجمهورية، والذي لا يزال أمامه مسألة تذليل عقبات عديدة لتحقيق هذا الهدف.
غير أنّ إمكانية حصول الانتخاب قد لا تتعدّى الجلسة السابعة والثلاثين، على ما تشير أوساط سياسية متابعة، في حال دلّت المعطيات على إمكانية وصول العماد عون الى قصر بعبدا حتى وإن «من دون إجماع»، على عكس ما يطمح الجنرال. فالجميع لا يزال يجوجل الأمر، ويقوم بحسابات الربح والخسارة لا سيما بالنسبة للمرحلة المقبلة في حال حصل التوافق على خوض العماد عون المعركة وحيداً، انطلاقاً من أنّ كلّ من الأفرقاء يريد ضمان حقوقه ومصالحه السياسية وغير السياسية، كما مصالح الدول الخارجية التي تدعمه.
ولا يقف استمرار ترشّح رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية فقط حجر عثرة في عرقلة وصول الجنرال الى قصر بعبدا، على ما تضيف، إنّما اعتبار بعض الدول أنّ تفاهم عون-جعجع على ملف الرئاسة هو تحدٍّ لإرادتها بما تريد رؤيته في لبنان، ولهذا تسعى الى تحدّيه بحليفه فرنجية، في الوقت الذي يجد فيه الحليفان الجديدان أنّهما قاما بما يجب لتسريع انتخاب الرئيس.
وفي الوقت نفسه، تجزم الأوساط نفسها أنّ وجود البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في روما سيكون مناسبة لمناقشة الاستحقاق الرئاسي، علما أنّ الفاتيكان لا يدخل في التفاصيل، وفي لعبة أسماء المرشّحين، إنّما يريد أن يملأ أحد القادة المسيحيين هذا المنصب الشاغر منذ سنة وثمانية أشهر، وفي أسرع وقت ممكن. فهذا الأمر من شأنه طمأنة قداسة البابا فرنسيس على مستقبل المسيحيين في لبنان وسائر دول منطقة الشرق الأوسط، ولهذا لا بدّ من أن يؤدّي النوّاب، المسيحيون والمسلمون معاً، دورهم في انتخاب الرئيس الأقوى تمثيلاً وشعبية بين المسيحيين.
الكلّ يعلم بأنّ النصاب القانوني يتطلّب حضور 86 نائباً، وعدم اكتماله يعني عرقلة حصول الانتخاب، وهذا ما حصل طوال جلسات مجلس النوّاب الماضية في ظلّ ترشّح جعجع، ومرشّح اللقاء الديموقراطي النائب هنري حلو كونه عضواً فيه. ولكن مع تأكيد اللقاء على استمراره في ترشيح حلو كونه يُمثّل خط الاعتدال ونهج الحوار، كما استمرار فرنجية في ترشّحه، على ما أعلن بعد تبنّي جعجع ترشيح العماد عون، فضلاً عن ترشّح الجنرال، يُصبح لدينا ثلاثة مرشّحين معلنين، وقد يزداد العدد الى أربعة أو أكثر في حال قرّرت بعض الأطراف أو الأحزاب ترشيح أحد قادتها.
من هنا، تجد الأوساط ذاتها أنّ كثرة المرشّحين لا بدّ وأن «تشوشط» الطبخة الرئاسية، لهذا لا بدّ من أن تتداعى الأطراف كافة لدعم مرشّح واحد هو العماد عون الذي يقترب من أن يكون مقبولاً من قبل غالبية النوّاب، ما يجعله يصل الى قصر الرئاسة من دون موافقة الجميع عليه. علماً أنّ لبنان سبق وأن شهد انتخاب رئيس بفارق صوت واحد، كما حصل مع الرئيس سليمان فرنجية، دون أن يؤثر ذلك سلباً في أدائه أو في عهده، والعكس صحيح.
أصوات كتل كثيرة تؤثّر في انتخاب العماد عون منها كتلة الرئيس نبيه برّي، والعديد من أصوات النوّاب المستقلّين، كما نوّاب الكتائب وسواهم من المسيحيين والمسلمين، ولهذا فالفرصة سانحة لكي يُفكّر كلّ فريق في ترشّح العماد عون جديّاً ويقتنع بالتصويت له في جلسة الانتخاب ليس في تلك التي تلي 8 شباط المقبل، بل التي تليها، إذ يتسنى لجميع الأفرقاء إجراء الاتصالات واللقاءات اللازمة قبل اتخاذ القرار النهائي.
وتنصح الأوساط الجميع بوضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، على ما فعلت القوّات اللبنانية أخيراً التي تنازلت عن ترشيح قائدها، مقابل ترشيح العماد عون، لا سيما بعد أن تيقّنت أنّه قادر على أن يكون «رجل المرحلة الصعبة» التي يمرّ بها لبنان، وما يعانيه من تداعيات الأزمة السورية عليه، كما أنّه قادر على التفاهم مع الجميع من أجل حلّ كلّ المشاكل الداخلية والخارجية التي تواجه لبنان.
وفي رأيها، أنّ الدول الخارجية لا بدّ وأن تخضع للخيار اللبناني في حال حصل التوافق على انتخاب العماد عون، بعد أن كرّر سفراؤها ومندوبوها مراراً أنّه «على اللبنانيين أنفسهم انتخاب رئيسهم»، أي أنّها تحترم قرارهم عند اتخاذه. وبناء عليه لا يجب عليها عرقلة الانتخاب أو وضع الشروط التي ترضيها دون سواها، انطلاقاً من أنّ انتخاب رئيس للبنان من شأنه حلّ مشاكل كثيرة عالقة قد تعنيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يحفّزها على السعي الى إتمام الانتخاب.